فى عام 1728 وبعد مضى عام على وفاة إسحاق نيوتن نشر صديق مقرب ومرافق له فى سنواته الأخيرة كتابا اسمه فلسفة إسحاق نيوتن, تأليف هنرى بيمبرتون شارحا فيه الفلسفة النيوتنية للقارئ العادى الذى لا يجيد الرياضيات المتقدمة الواردة فى أعمال نيوتن. الكتاب يمثل المصادر الأساسية والأعمال العلمية للسنوات الأخيرة من عمر نيوتن.
فى عام 2015 وبعد وفاة نجيب محفوظ بتسع سنوات نشر محمد سلماوى كتابا بعنوان حوارات نجيب محفوظ, مركز الأهرام للنشر ويحوى فكر السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ بعد تعرضه لمحاولة اغتيال آثمة فى الساعة الخامسة مساء يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994 أمام منزله بالعجوزة. وهى الجريمة الوحيدة التى حدثت لفائز بجائزة نوبل فى تاريخ جائزة الجائزة, وللأسف كان ذلك من نصيبنا على يد مجرمين آثمين. وهى أيضا الجريمة التى أدت لحرمان البشرية من أدب الشيخوخة للكاتب العالمى. من هنا تكمن أهمية كتاب محمد سلماوى فى أنها تسجل حوارات ممتعة لنجيب محفوظ فى الفترة من 22 ديسمبر 1994 ولمدة 12 سنة حتى رحيله عن عالمنا فى السادس من أغسطس 2006.
هناك تماثل كبير بين كتاب هنرى بيمبرتون وكتاب محمد سلماوى: نجيب محفوظ يشبه نيوتن ولا يقل عنه ومحمد سلماوى يشبه هنرى بيمبرتون ولا يقل عنه. بدأت علاقتهما بأن دعاه نيوتن ليشرف على الطبعة الثالثة لكتابه الأشهر برنسيبا, أو المبادئ الرياضية والذى يعتبر واحدا من أهم الكتب فى التاريخ, والتى صدرت عام 1726 والتى كتب مقدمتها نيوتن نفسه. ونفس التماثل حدث مع سلماوى. يحكى لنا محمد سلماوى فى حوار له مع صحيفة الوطن بتاريخ 20 أبريل 2021 أنه تعرف بنجيب محفوظ خلال عملهما بجريدة الأهرام وأن علاقتهما بدأت فى النمو عندما أهدى سلماوى نجيب محفوظ مسودة مجموعة قصصية وقال له أحب أن تكون هذه عندك ولم يطلب منه مراجعتها. أعادها له نجيب محفوظ وبها ملاحظات مكتوبة بالقلم الرصاص وقال له: أعطيت نفسى الحرية أن أبدى بعض المقترحات وقد كتبتها بالقلم الرصاص فإذا لم توافق عليها يمكنك أن تمحوها بالأستيكة. نمت تلك العلاقة لدرجة أن محفوظ طلب منه أن يكون ممثله الشخصى فى احتفالية نوبل. كلا الكتابين يحوى إنتاج الشيخوخة ويسجل فلسفة العظيمين من صديقين مقربين لهما. الكتاب هوالمصدر الثالث من ثلاثية المصادر الأساسية لدراسة نجيب محفوظ, والتى تشمل: كتاب نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه, والعدد الخاص من مجلة الهلال بتاريخ أول فبراير 1970, وكلاهما للناقد الكبير رجاء النقاش, والجزء الأخير من تلك الثلاثية هو كتاب حوارات نجيب محفوظ للكاتب الباحث محمد سلماوى.
يقع الكتاب فى 419 صفحة تحوى تسجيل مقاله الأسبوعى فى كل يوم خميس بالأهرام بداية من يوم الخميس 22 ديسمبر 1994 ولمدة 12 سنة حتى استشهاده بتاريخ 6 أغسطس 2006. قبل ذلك الكتاب كانت الأهرام تنشر العمود لمدة 20 عاما تحت عنوان وجهة نظر كل يوم خميس. يحوى الكتاب 302 حوار بعضها صفحة وبعضها صفحتان. بإجراء حسبة بسيطة ندرك أنه يوجد 25 حوارا سنويا عبر الإثنى عشرعاما التى تمت فيها الحوارات مما يعنى أنه لا تزال فى جعبة سلماوى بعض الحوارات الأخرى نرجو أن ينشرها حتى لا تغيب عنا غائبة لنجيب محفوظ.
يصحبنا محمد سلماوى فى كتابه فى رحلة ممتعة هى التسجيل الوحيد لأدب شيخوخة نجيب محفوظ وهنا تكمن أهمية الكتاب للقراء وللباحثين وللتاريخ، فى كونه استمرارية لفلسفة نجيب محفوظ وأدبه. يقول محمد سلماوى أثناء زيارة لنجيب محفوظ بعد الحادث الإرهابى بخصوص مقال وإثارة كتابة المقال فى موعده أن نجيب محفوظ قال له إنه يرفض أن يتقاضى مرتبه من الأهرام دون أن يكتب، وتم الاتفاق بعدها كما ذكر سلماوى فى مقدمة كتابه: أملى على خطابا إلى رئيس التحرير قال فيه إنه يرغب فى أن يتحول مقاله الأسبوعى إلى حوار يجريه معه محمد سلماوى، وأضاف سلماوى أن محفوظ أبلغه أن يأتى كل أسبوع ويطرح عليه موضوعا يتحاوران فيه ويقدم على شكل مقال. وأوضح محفوظ أن سبب اختياره لمحمد سلماوى بقوله له: إننا مختلفان فأنت تنتمى إلى جيل ثورة يوليو وأنا أنتمى إلى جيل ثورة 1919, وأنت كاتب مسرحى فى الأساس وأنا روائى وهذا سيثرى الحوار لأننى لا أريد شخصا يتفق معى فى كل شىء وكلما قلت له شيئا قال آمين.
يقول محمد سلماوى عن مجمل تلك الحوارات وتشخيصها إنه ظل لمدة اثنتى عشرة سنة يقصد منزل نجيب محفوظ فى العجوزة فى السادسة مساء كل يوم سبت ومعه جهاز تسجيل يسجل المقابلة التى كانت تستمر ما بين نصف الساعة أو الساعة حسب حالته الصحية, يتحدث محفوظ خلالها فى موضوعات كثيرة يطرحها عليه أو يقترحها محفوظ, ثم يختار سلماوى منها ما يناسب النشر ويعرضه على محفوظ للموافقة على النشر فى الأهرام. ويضيف محمد سلماوى أنه تجمع لديه ما يقرب من 500 ساعة مسجلة بصوت محفوظ يتحدث فيها عن الثقافة والسياسة والأدب وحياته الشخصية وذكرياته.
القارئ للكتاب الذى يحوى مجملا لتلك الحوارات يحس من فرط دقتها وحيويتها أنه كان حاضرا ومستمعا للحوارات النادرة. للأسف لم يشمل الكتاب جدول محتويات للحوارات وفهرسة للأعلام وفهرسة للأماكن, لأن الكتاب للتاريخ والعالم والأدب, ونرجو أن يتم تدارك ذلك فى الطبعات التالية وأن تتم ترجمة الكتاب.
لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى جودة رابط دائم: