طيب، وأنا أيضا باسم حقوق الإنسان، وحرية التعبير، من حقى أن أصف من أصدر بيان الحكومة الألمانية بشأن مصر بأنه شخص لا يتحلى بأى قدر من الذكاء!
طبعا، أحاول هنا أن أكون مهذبا، فلا أستخدم وصفا آخر يستحقه!
تصوروا أننا منذ عام 2015، والعلاقات بين مصر وألمانيا «سمن على عسل»، من الجانبين، لم تشهد طوال هذه المدة مثل تلك المواقف «البايخة»، اللهم إلا أداء شبكة «دويتش فيلا» التى تنعق خارج السرب!
الرئيس السيسى زار ألمانيا أربع مرات، وميركل، المستشارة السابقة، زارت مصر مرتين، والإثنان التقيا خارج ألمانيا مرتين، مرة فى اليابان، ومرة فى فرنسا, ورئيس الوزراء مصطفى مدبولى زار ألمانيا مرتين فى أقل من ستة أشهر عام 2019 على رأس وفد اقتصادى كبير، ووزيرا خارجية البلدين تبادلا الزيارات عدة مرات، ووفود الشركات والمستثمرين الألمان لم تنقطع عن مصر، وحجم التبادل التجارى بين البلدين ارتفع إلى أكثر من 4 مليارات يورو، والسائحون الألمان احتلوا صدارة ترتيب السائحين الأجانب الزائرين لمصر، وبلغ عددهم 2,5 مليون سائح عام 2019، قبل كورونا، ويلقون أفضل معاملة، وروح التعاون والتفاهم تسود بين البلدين عامة على مختلف المستويات.
ومع ذلك، يأتى فجأة من يهيل التراب على كل هذا، فيتدخل فى شأن داخلى مصرى، ويحاول التأثير على قضية منظورة أمام المحاكم، ويثير استياء المصريين، قيادة وحكومة وشعبا.
فماذا يمكن أن نصف ذلك؟
هل يريدون منا أن نستشعر وجود بداية سيئة من فريق العمل الجديد فى برلين؟!
ألا يشعر من صاغ بيان الخارجية الألمانية، ومن وافق على إصداره، أنه ورط ألمانيا فى أزمة سخيفة مع حليف وشريك وصديق مهم بذل جهدا كبيرا فى الحفاظ على قوة ومتانة العلاقات الثنائية على مدى سنوات طويلة.
البيان الردىء، الذى كتبه «واحد حافظ مش فاهم»، خالف كل قواعد البروتوكول واللياقة والذوق، بل وجاء مناقضا تماما لإشادة الحكومة الألمانية نفسها قبل بضعة أسابيع بصدور الإستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان فى مصر.
البيان الألمانى استبق حكما قضائيا قبل صدوره، وقال إنه سيكون بالنسبة لبرلين مؤشرا على تطور حقوق الإنسان فى مصر، وقال أيضا إن الحكومة الألمانية «تتوقع» من الحكومة المصرية الإفراج عن المتهمين الذين حددتهم بالاسم، وكأنها المندوب السامى الذى يضع شروطه على دولة خاضعة للاحتلال!
هكذا بكل بساطة!
البيان الألمانى الذى استبق حكما قضائيا يخص دولة مستقلة ذات سيادة، لم يكن يليق أن يصدر عن دولة محترمة كألمانيا.
من الناحية الشكلية، تضمن البيان عبارات «من زمن فات»، ذكرتنا بلغة البيانات التى كانت تصدر من داخل خيم ميدان التحرير فى يناير 2011، وقتما كانت مصر بلا دولة، وبلا قانون، وكان مجموعة من «الصيع» يوهمون المصريين والعالم بأنهم ثوار ونشطاء، ويتسابقون لنيل رضا الفضائيات الأجنبية والمنظمات المشبوهة، للحصول على ما تيسر من الشيكات والتحويلات والسفريات.
أما من حيث المضمون، فلم يختلف البيان الألماني، والذى أتبعه بيان أمريكى آخر بعد صدور الحكم بالفعل، كثيرا عن موقف عصابات الإخوان والنشطاء فى التحرير الذين هددوا بإحراق مصر فى حالة فوز شفيق على مرسى فى انتخابات الرئاسة عام 2012، تلك الانتخابات التى لا تزال توصف فى وسائل إعلام عالمية حتى يومنا هذا بأنها كانت حرة ونزيهة وديمقراطية، وهى فى واقع الأمر لم تكن هذا ولا ذاك!
طبعا، رد الخارجية المصرية على البيان الألمانى الصادم جاء أشبه بـ«كرباج» سودانى معتبر، فمن يتطاول علينا فى العلن، سنرد عليه فى العلن، وباللغة نفسها، ألمانيا وغير ألمانيا، فالعلاقات بين الدول لا تتحمل مثل هذه التجاوزات، ولا التدخل السافر وغير المبرر فى الشئون الداخلية، خاصة إذا كان الأمر متعلقا بقضية منظورة أمام المحاكم، ولو فعلنا المثل، لما استمرت الحياة، بدليل أن خارجيتنا قالت أيضا إنه كان من الأحرى أن تلتفت الحكومة الألمانية لتحدياتها الداخلية بدلاً من فرض وصايتها على الغير! وبخلاف رد خارجيتنا، أتمنى أن يكون مسئولو السفارة الألمانية بالقاهرة قد نقلوا بدقة ما كتبه المواطنون المصريون من تعليقات رفض واستياء وسخرية من البيان الألمانى على صفحة السفارة الرسمية على «فيسبوك»، وأصداء ذلك البيان على صورة ألمانيا بشكل عام لدى المصريين، وبالتأكيد، مسئولو السفارة هنا سيفرقون جيدا بين الرأى العام المصرى الحقيقى، وبين من ينافقون ألمانيا على حساب وطنهم تسولا للتأشيرات! لا أصدق أن العقلية التى تقف وراء إبداع السيارات «الألمانى» هى ذاتها العقلية التى أصدرت بيان الخارجية الألمانية!
لمزيد من مقالات هـانى عسل رابط دائم: