لأول مرة منذ سنوات طويلة نشهد وميض تغيير ملحوظ فى بلاد العرب وإقليم الشرق الأوسط بصفة عامة حيث تتغيير بحق موازين القوى والمعادلات والخرائط غالبيتها حققت قفزات الى الأمام. وبعضها الآخر مازال يحقق قفزات فى الهواء وينسحب الى المجهول وزمن الخيبات. حيث الجراح والانقسامات والفوالق عميقة ولايبدو فيها رجعة او مغادرة لسنوات التيه السياسى التى يغمرها بفيض انتكاسته التى طالت اكثر من المتوقع. وربما التغيير السريع فى الأشهر والأسابيع الأخيرة مرده صراحة الى المفاجآت الأمريكية التى تتوالى فصولا فى الشرق الأوسط. والتى جاءت عكس ما تعهد والتزم به الرئيس الأمريكى جو بايدن فى خطاب التنصيب الأمريكى فى 20 يناير من هذا العام وتعهده بالعودة الأمريكية الى مسارح الأحداث ومناطق التوتر لإطفاء النيران ومد يد العون لعودة النموذج الأمريكى الشريك الأول والأكبر لكل دول العالم. بدلا من سياسة ترامب الأحادية - أمريكا أولا - ولكن من للأسف تراجعت وعود بايدن سريعا وحدث التعثر والتباعد سريعا أكثر مما يتوقع الأصدقاء قبل الأعداء، حيث كان الانسحاب من أفغانستان ومن ثم العراق خلال الأيام القادمة إيذانا بكتابة الفصل الاخير فى قصة التواجد الأمريكى والاستقالة السريعة من الإقليم. باستثناء الاشتباك السياسى والدبلوماسى مع قضية البرنامج النووى الإيرانى والانغماس فى مفاوضات فيينا بجولاتها السابعة الأخيرة من اجل الاطمئنان على امن إسرائيل فقط.
ورب ضارة نافعة حيث تلك الانكفاءة الأمريكية الجديدة كان لها تأثير السحر السريع. حيث استفادت دول عديدة فى الإقليم واستوعبت سريعا مضمون ومآخذ ومرامى الموقف الأمريكى فى الحال دون تأخير أو تباطؤ. واذكر فى المقدمة هنا الدول العربية حيث كانت الاستفاقة سريعا. فوجدنا معظم تلك الدول خاصة الفاعلة وصاحبة مراكز الريادة تقبل اللحاق بالصعود الى قطار المصالحات العربية السريعة وفق قواعد وأسس جديدة. يبدو ماتحقق حتى الآن بشأن أن تلك المصالحات أنها ستكون قوية لاتلين او تنكسر. حيث استوعب البعض الذى كان يقود المناكفات الدرس. وبات على قناعة تلامس اليقين انه لاملجأ ولا ملاذ إلا بالاصطفاف بجانب أشقائه فى الخليج ومع مصر. التى خرجت من معركة هزيمة الإسلام السياسى والإرهاب وإعادة الاستقرار والنجاحات الفريدة منتصرة مظفرة. وبالتالى قطار المصالحات العربية الذى انطلق من قمة العلا لن يتوقف وربما تلحق به بقية الأقطار العربية فى العام القادم حيث المصالحة العربية - السورية ليست ببعيدة بعد تغيير المعادلة ووقف منسوب التوتر كاملا فى سوريا. وعودة دمشق الى الجامعة العربية فى قمة الجزائر نهاية مارس القادم ليست ببعيدة أو مستحيلة بل ربما قريبة جدا. حيث باتت القاعدة الحاكمة للجميع فى العالم العربى الآن انه لاحماية ولا سياجات وأطواق إنقاذ للأزمات الداخلية او توترات وقلاقل الإقليم الا بمزيد من التضامن واللحمة العربية.
لامبالغة فى القول ان الوضع العربى الآن ربما الأفضل نسبيا منذ أكثر من30 عاما عندما غزا صدام حسين الكويت. حيث كنا حتى الأمس القريب مازلنا نعيش اسرى للماضي. ربما لم نصل الى سنوات الكمال والأمل ومازالت بعض العواصم تعيش زمن الخيبات مثل لبنان وليبيا. إلا أن الأولى مقرر لها إجراء الانتخابات البرلمانية فى مايو، واختيار رئيس جديد قادر على وقف هذا الانهيار والتجريف. وبالتالى الكرة الآن فى ملعب اللبنانيين أنفسهم فى الأشهر القادمة، أما الخروج من هذا النفق الكريه. او استمرار الانزلاق فى الفشل واعتماد صك الدولة الفاشلة الرخوة للبنان. وهذا مالا نطلبه او نتمناه لبلد كان ساحرا للشرق كله. وكما عودنا طائر العنقاء اللبنانى ستخرج بيروت من تحت الرماد وتنسج أنشودة الحياة والانتصار من جديد.
اما زمن الخيبة الثانية فكانت ومازالت تلف المشهد الليبى منذ عشر سنوات. حيث الفشل الأخير فى عقد الانتخابات والتوصل الى تفاهمات ونقاط تلاق بين الفرقاء الليبيين كان متوقعا. وانا هنا فى هذا المكان منذ أربعة أسابيع كتبت وتوقعت باستحالة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى موعد الرابع والعشرين من هذا الشهر. وكانت حجتى انه مادام بقيت مجاميع الإرهابيين والقوات الأجنبية وميليشيات الغرب تطوق المدن والمربعات الأمنية. فضلا عن ارتباط البعض فى الغرب والجنوب بأجندات إقليمية ودولية فلن تتوافر استحقاقات الانتخابات النزيهة وتنعدم فرص إجرائها وقد كان. وبالتالى تبقى فرصة وحيدة بالتأجيل لفترة من الوقت لاتتجاوز ثلاثة أشهر على أكثر تقدير يقررها البرلمان الليبى فى الساعات القادمة بعد ان يتلقى تقرير المفوضية العليا للانتخابات هناك. وفى المقابل تتحمل الأمم المتحدة دورها الحقيقى ولو مرة واحدة فى الأزمة الليبية وعندها فى هذه الحالة ربما نجد هناك رئيسا ليبيا وبرلمان جديدا قبل نهاية مارس القادم.
وفى مقابل تلك الصحوة وتنقية الأجواء العربية نجد هناك فى الطرف المقابل فى الإقليم توترا وقلاقل قائمة وقادمة بشراسة أكثر حيث هناك منازلة لاريب واقعة لامحالة. وهنا ستكون بين الجانبين الإسرائيلى - الإيرانى حيث ان الحرب بينهما قادمة بالرغم من توقع التقدم فى مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووى الإيراني. حيث ستكون سياسات حافة الهوية تشكل عنصرا حاكما فى المواجهة المرتقبة. خاصة ان تل أبيب لن تقبل بامتلاك طهران سلاحا نوويا أو حتى بالستيا، سواء تم اتفاق فيينا أو فشل. لان ذلك يعنى بداية النهاية لإسرائيل. وبالتالى تل أبيب لن تقبل ان تبقى رهينة القادم الأسوا من إيران. وعليه لابد من المواجهة وهى قادمة لامحالة بين الجانبين ايا كان شكلها .الا اذا حدثت معجزة وهذا مايجب أن نترقبه ونتحسب له نحن كعرب أصحاب الأغلبية العددية والديموجرافية فى هذا الإقليم والآباء الشرعيين الحقيقيين له.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: