رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

انعكاسات اقتصادية

تواصل الليرة التركية انهيارها، وسط حالة من التشاؤم والارتباك، على إيقاع المظاهرات المنددة بسياسات الحكومة التركية، ولم تفلح جهود غرفة الطوارئ الاقتصادية للحكومة التركية فى إبطاء الإنهيار، رغم ضخ البنك المركزى كميات كبيرة من الإحتياطى النقدى بالدولار فى الأسواق، إلا أن المطروح من النقد الأجنبى كان يتم ابتلاعه بسرعة دون تأثير على سرعة التدهور، وكان الرئيس التركى أردوغان قد أصر على خفض سعر الفائدة فى البنوك، مما أطلق الموجة الحالية من الانهيارات المتلاحقة، حيث كان مؤشر الهبوط يتغير كل دقيقة طوال الخميس الماضى، واقترب سعر الدولار من تسجيل 16 ليرة، لتفقد أكثر من 40% من قيمتها خلال أيام.

وكان الاقتصاد التركى قد دخل فى نفق الأزمات منذ منتصف العقد الماضى، واهتز بفعل عدد كبير من الأسباب السياسية والاقتصادية، فبعد هدوء أحداث «الربيع العربي» الذى كان أردوغان أهم أركانه، وغارق فى التفاؤل بأنه سيخرج منه على رأس إمبراطورية عثمانية جديدة، وكان قد تلقى إعانات وقروض واستثمارات ضخمة من أوروبا ودول خليجية إلى جانب البنوك ودعم من الولايات المتحدة ليصبح النموذج الجذاب لشعوب المنطقة، ليكون محط تقدير وثقة لدى شعوب المنطقة،، حتى ترنح الربيع العربى، وظهرت بوادر فشل المشروع العثمانى، وانسحبت الكثير من الدول أو قللت نفقاتها على المشروع الخاسر، إلا أن أردوغان كان يتمسك به بكل قوة، فقد ارتبط بالمشروع العثمانى نفسيا وذهنيا، ولم يعد يرى تركيا بدونه، وأراد استكمال المشروع على نفقة الدولة التركية فى رهان خطير، فالمشروع أضخم من أن يتحمله الاقتصاد التركى، وبدأ الانتعاش السريع الذى كان قد قفز بالاقتصاد التركى فى الأعالى بسرعة يتبدد، فالتدفقات فى المساعدات والاستثمارات توقفت، وحانت مواعيد سداد أقساط الديون، وجاء تفشى وباء كورونا ليضرب السياحة التركية التى كانت منتعشة للغاية، ثم جاء ارتفاع أسعار المواد الأولية والطاقة ليرفع من كلفة المنتجات التركية. ومع تنقلات أردوغان من محور إلى آخر، وارتطاماته بمعظم البلدان المحيطة والبعيدة، تراجع استيراد الكثير من المنتجات التركية، وكان أردوغان يعتقد أن مهارته فى اللعب على كل الأطراف ستجعل منه الرابح الأكبر القادر على تحقيق مكاسب من كل الفرقاء، فلم يستقر فى أى تحالف إقليمى أو دولى، واعتقد أنه قادر على تشكيل محور عالمى بقيادته ، ولم تحقق مغامراته العسكرية فى سوريا وليبيا وأفريقيا ووسط آسيا أى مكاسب اقتصادية، بل استنزفت الكثير من الموارد، وتحمل تكاليف عشرات آلاف المسلحين من رواتب وتسليح ودعم لوجيستى، بالإضافة إلى زيادة ميزانية الجيش التركى لتتناسب قدراته مع طموحات أردوغان، سواء فى إحياء الدولة العثمانية أو البحث عن قيادة تجمع عرقى أو لغوى مع دول وسط آسيا، ولهذا خاض معركة ناجورنو كاراباخ ضد أرمينيا، وكان يأمل فى التوسع شرقا إلى تتارستان وتركمانستان وكازاخستان وحتى حدود الصين وسيبيريا، ووقف ضد روسيا عند ضمها شبه جزيرة القرم، وقال إن أغلبيتها كانت من التتار قديما، قبل أن يشتتهم ستالين، ويستبدلهم بالروس، ولهذا انضم إلى أوكرانيا فى مواجهة روسيا وزودها بأسلحة، وتجاهل التقارب الروسى بعد حصوله على منظومات صواريخ إس 400 وخط أنابيب غاز روسى يمر إلى أوروبا عبر تركيا.

هذا الارتباك فى المواقف السياسية كان لابد أن تكون له انعكاساته على الاقتصاد التركى، لكن أردوغان تقمص دور الإمبراطور الجديد، وتناسى أن الاقتصاد التركى المنتعش يقف على قشرة رخوة، وأن من دعموا انتعاش الاقتصاد التركى إما تحولوا إلى خصوم، أو انقطع حبل الثقة بينهم، أو أنهم غير قادرين على مواصلة الدعم فى ظل الأزمة العالمية.

كان على الحكومة التركية أن تدرك حدود أوضاعها وقوتها، وأن توقف النزيف، وتصلح العجز الكبير فى الميزان التجارى الذى تجاوز 37 مليار دولار سنويا، وتحد من التضخم الجامح الذى أفقر قطاعا كبيرا من الأتراك، لكن أردوغان وحكومته واصلوا التعالى على الواقع، وكان يرى ويقول إن كل هذه الظواهر المقلقة مجرد سحابة عابرة، أو أنها الطريق نحو الإصلاح، وسرعان ما سيحول التراجع إلى تقدم سريع، وهذا الإنكار للواقع قاد إلى مزيد من التردى، والوقوع فى أخطاء تلو الأخرى، فكان سبيله السهل هو تغيير المسئولين عن الاقتصاد والمالية، ثم القرارات المتضاربة فى تحديد سعر الفائدة فى البنوك، ومع كل تخبط كانت الثقة تتراجع، والليرة تتهاوى، حتى وصل الأمر إلى اتساع المظاهرات والإضرابات من أنقرة واسطنبول إلى باقى المدن التركية الكبرى، لتفوح رائحة «الربيع التركي»، وينقلب السحر على الساحر، ويصبح عرش الخلافة فى مهب الربيع التركى.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد

رابط دائم: