من إرهاصات النهاية لأى رجل أعمال، أن يتكلم كثيرا.
أما بداية النهاية «اقتصاديا»، فتبدأ عندما «يبعثر» جهده ونشاطه فى أكثر من مجال، ما يفهمه، وما لا يفهمه.
أما النهاية الحقيقية والرسمية، فتحدث عندما يتحول رجل الأعمال إلى سياسى أو مناضل أو زعيم، أو عندما يتصور نفسه كذلك.
أما ما بعد النهاية، فهى أن يصل «الباشا» من دون أن يشعر إلى مرتبة «إنما أوتيته على علم عندى»، التى خسفت بقارون وبداره الأرض، فيتعالى على ماله وعلى رزقه وعلى مجتمعه ولايرى إلا نفسه ومزاجه.
فى مصر، لا يتكلم رجل أعمال أكثر مما تكلم هذا الـ«تايكون» الذى نتحدث عنه.
هو الآن يتحدث فى كل أمور الدنيا والدين، سياسة واقتصادا وفنا ورياضة وثقافة وأدبا.
عبر السى إن إن «ماشى» وعلى تويتر «ماشى»، وفى المؤتمرات والمنتديات «ماشى».
والغريب أنه كلما تكلم، خسر، وسحب «ع المكشوف» من رصيده كرجل أعمال ناجح وكبير، لأنك دائما تجده فى الجانب «الغلط» من أى قضية، لا أعرف لماذا؟!
كما أنه من الواضح أنه لا يجد من ينصحه بالسكوت قليلا، أو يشير عليه بالتركيز فى عمله فقط.، ولم يجد أيضا من يشرح له ماذا يكتب مارك زوكربيرج أو بيل جيتس على السوشيال ميديا، ولا كيف يتكلمون، ولا الموضوعات التى يتحدثون فيها.
أما إذا انتقلنا إلى تعدد الأنشطة، فسنجد أنه وباء يضرب رجال الأعمال، ممن لا يعرفون عن المال الذى وهبه الله إياهم، سوى أنه وسيلة لجلب مزيد من المال، والنفوذ، والسطوة، والغرور أيضا!
أعرف رجال أعمال كثيرين محترمين جدا فى مصر ما زالوا متمسكين بممارسة نشاط اقتصادى واحد فقط، أو بمجموعة أنشطة متداخلة ومتقاربة، ويرفضون تماما توجيه استثماراتهم إلى عدد من الأنشطة المتشعبة والمتباينة، فلدينا من يعمل فى المقاولات فقط، أو من يعمل فى الفندقة وحدها، أو من يعمل فى التصنيع فحسب، وهكذا.
أما أن تتحول كرجل أعمال إلى «مدرس فصل» يستطيع أن يشرح أى مادة للتلاميذ، على طريقة الأستاذ «زكريا الدرديرى» مدرس الرياضة الذى يدرس العلوم لغاية ما يجيبوا مدرس علوم، فهذه هى السقطة الكبرى.
تخيلوا؟ كارثة الاقتصاد العالمى الحالية سببها شركة صينية عملاقة اسمها «إيفرجراند» وصلت ديونها إلى 300 مليار دولار.
لماذا؟ لأن مالكيها تشعبت أنشطتهم بصورة مبالغ فيها فى السنوات القليلة الماضية، فعملوا فى العقارات، وفى الترفيه، وأسسوا ناديا رياضيا، وأقاموا استادات عملاقة، ونظموا مهرجانات فنية، وافتتحوا حدائق، وأنتجوا أفلاما سينمائية، أى والله العظيم، نتحدث عن الشركة الصينية!
أما «صاحبنا» هذا، فقد طبق نظرية «إيفرجراند» وزكريا الدرديرى معا بإتقان شديد، وبإصرار شديد، فهو مهندس ومقاول و«بتاع» اتصالات وسياحة وفندقة وأنشطة رياضية وفنية، وسياسى وفيلسوف ومصلح اجتماعى ورجل دين، إذا لزم الأمر، وأشياء أخرى، على أساس أن «الفلوس تعمل كل حاجة».
أما الزعامة والسياسة، فكانت المستنقع الحقيقى الذى كشف توجهات الرجل.
ففى أسوأ أيام مصر، كان ذراعه الإعلامى هو الراعى الرسمى و«الحضانة» الرئيسية، (بتشديد الضاد)، لإعداد وشهرة ونجومية مجموعة من النشطاء والعملاء والثورجية وأشباه الإعلاميين، الذين كانوا يكرسون معظم وقتهم وجهدهم للتطاول على مصر، وقياداتها، والتحريض على العنف والفوضى، والعبث بمستقبل وطن بأكمله كان صاحبنا يتباهى بأنه «لم يتخارج منه» لأنه آمن ومستقر!
فأى فصام هذا؟!
وهنا تأتى مرحلة ما بعد النهاية، والتى تحدث عندما يصل رجل الأعمال إلى درجة ينعزل فيها عن الكون، ويظن نفسه إلها، أو كائنا هلاميا أعلى من المجتمع الذى يعيش فيه، وأقوى من الدولة، وفوق القانون، ويصنع لنفسه أخلاقا وقيما ومبادئ خاصة به، فتجده ينشر الفساد، ويدافع عنه، ويقيم له المهرجانات والاحتفالات بدعوى أنه حامى حمى الفن، ويحتضن الفاشلين والرعاع والسوقة، بوصفه منبر الحرية والإبداع ومكتشف الأصوات، دون أن يردعه شىء، ويصل الأمر به إلى درجة التهديد بأن يفعل ما يريد، دون مراعاة لأى انتقادات أو آراء أو تحفظات، فالأهم أنه يستمتع بماله، وبإنفاقه.
فى مختلف دول العالم، يجب أن تكون الثروة مسئولية، وأمانة، واختيارا، بل هى بالفعل كذلك.
وفى مجتمع نام ومحافظ وعاطفى مثل مصر، يجب أن تدرك هذه المسئولية أضعاف أضعاف إدراك مليارديرات أمريكا وأوروبا لها، فلا تتعالى، ولا تحتقر، ولا تتصرف بمفردك، فإنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.
أما نحن، فندعو الله ألا يصدق فينا قوله تعالى «أمرنا مترفيها ففسقوا فيها» بسبب «صاحبنا» هذا!.
لمزيد من مقالات هـانى عسل رابط دائم: