رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ألكسندرينا»

أحسد الإسكندرانية على مدينتهم.

على نظافتها، على أجوائها، على بحرها، على أهلها، على مكتبتها، على شخصيتها «العالمية».

أجواء غير متاحة فى العاصمة الحالية التى أنهكها الزمن، وأصيب أهلها بتوتر وعصبية وضغوط يندر أن تجتمع فى أى مكان بالعالم.

على مدى ساعات فى مهمة عمل قصيرة بالإسكندرية، استمعت إلى عبارات غزل لا تعد ولا تحصى فى جمال الثغر وروعته، من يونانيين.

المناسبة كانت افتتاح معرض يونانى فى مكتبة الإسكندرية، بحضور الدكتور مصطفى الفقى مدير المكتبة، وسفير اليونان بالقاهرة نيقولاوس جاريليديس، والبابا ثيودوروس الثانى بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا، وعدد كبير من المصريين المعجبين بالحضارة اليونانية، واليونانيين المتيمين بالإسكندرية وتاريخها، وكان على رأس الحضور السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، إبنة الإسكندرية.

يعتبرونها مدينة يونانية، أو مجرد شاطئ يونانى على الضفة الأخرى من المتوسط، ففيها تاريخهم وحضارتهم، وفيها زائرون «رايحين جايين»، وفيها أيضا جالية لا بأس بها، وروابط نسب ومصاهرة وعشق، وبعض أسماء الشوارع والأحياء والمطاعم فى الإسكندرية تؤكد هذه الصلات. يسمونها «ألكسندرينا» بلغتهم، ويرددون دائما عبارة تقول إن «الإسكندر لم يغادرها». أشهر معالم الإسكندرية ترتبط بالحضارة اليونانية: الفنار، الذى كان من بين عجائب الدنيا السبع القديمة، أو «فاروس»، وكان موقعه مكان قلعة قايتباى الحالية تقريبا، والمكتبة، التى كانت الأكبر فى العالم القديم، وتم إحياؤها الآن، لتصبح واحدة من بين أكبر مكتبات العالم.

والمكتبة، أو الـ«بيبليوتيكا»، هى بالنسبة للإسكندرية، كدار الأوبرا بالنسبة للقاهرة، فهى خلية نحل ثقافية وأدبية وفنية تقام فيها عشرات الأنشطة والندوات، وهى «معلم» سياحى رئيسى جاذب فى المدينة، فهى «أهرامات» الإسكندرية.

فى الفناء الخارجى للمكتبة التى تلاصق جامعة الإسكندرية، وجدت سائحين من جنسيات عربية، وآسيوية، وأوروبية، وأمريكيين، جاءوا لحضور عرض، أو ندوة، أو للتنزه والتقاط الصور.

لم أفاجأ بأن أعرف أن معظم العاملين بالمكتبة تم اختيارهم «ع الفرازة»، وبعضهم يحمل الماجستير والدكتوراة، فقد استمعت بنفسى لرجل أمن خاص أمام أحد أركان المكتبة يتحدث مع سائحين أمريكيين بلكنة «أمريكاني»!

بشكل عام، أشياء كثيرة رائعة تجدها فى الإسكندرية، تجعلك تشعر بالراحة والمتعة. نظافة شوارعها وأناقتها لافتة للنظر. الإسكندرانية متحضرون، ولكن شكواهم التقليدية أن معايير النظافة والنظام تختلف بين الكورنيش وما وراء الكورنيش، ولكن لسان حال القادم من القاهرة «قول لهم احمدوا ربنا»، فما هو موجود فى الإسكندرية ليس بفوضى ولا بقمامة ولا بتلوث قياسا بمناطق راقية فى القاهرة!

الإشارات الضوئية لا تزال تعمل بالنظام الرقمى، الـDigital، بينما هنا فى القاهرة، تكالبنا عليها فأفسدناها، فألغى معظمها، والحال نفسه بالنسبة لفتحات الدوران للخلف «اليوتيرن»، فما زالت لها فى الإسكندرية هيبتها، بينما هى فى القاهرة أحد أبرز معالم الفوضى.

ترام الرمل الشهير تم تجديده، وعندما تراه يخيل إليك أنك فى أمستردام أو بروكسل، والأوتوبيس المكشوف، صار أحد معالم المدينة الرئيسية، وطبعا، ما يعجب البعض، قد لا يعجب البعض الآخر.

مدونة سياحية مشهورة اسمها «الحبار المسافر»، أو The Travelling Squid، تقول إن الإسكندرية مكان مناسب للسائحين الراغبين فى الهروب من زحام القاهرة وضوضائها، لما تتمتع به من إطلالة شاسعة على البحر، ومطاعم الوجبات البحرية، والطريف أن هذه المدونة وصفت تاكسى الإسكندرية بأنه «الأكثر ودا بين سائقى التاكسى فى العالم»، لأن السائق يبدأ فى الحديث معك وكأنك صديق قديم له، بمجرد أن تضع قدميك داخل السيارة!

حتى الميكروباص يبدو فى الإسكندرية أكثر لطفا من نظيره القاهرى «الوقح»!

الملاحظة السلبية الأساسية بالنسبة للإسكندرية هى أنها صارت مزدحمة أكثر مما يتخيله بشر، فعندما يكون الزحام والاختناقات المرورية ممتدا لساعات طويلة فى المنطقة الواقعة بين الكورنيش والمنشية والرمل، ونحن فى نوفمبر، فهذا معناه أن المدينة تصاب بشلل فعلى فى أشهر الصيف، وبالتالى يصبح من حق سكان الإسكندرية أن «يطفشوا» منها صيفا، علما بأن الطريق من القاهرة صار «عالميا» بحق.

كما تحتاج شواطئ الإسكندرية بشكل عام، ومنطقة القلعة بشكل خاص، إلى وجود أكثر وأقوى لأجهزة المحافظة، لمنع الكثير من مصادر الفوضى والبلطجة والفهلوة.

ومع ذلك كله، لا تزال الإسكندرية جميلة، وجاذبة و«عروسة» و«مارية»، وستبقى «ألكسندرينا» معشوقة المصريين واليونانيين، ونموذجا حيا على متانة جذور العلاقات التى تربط مصر واليونان وقبرص.

 

 


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: