ارفع رأسك، وافخر ببلدك.
مصر الآن «رسميا» تقود جهود إفريقيا والمنطقة لمحاربة الإرهاب.
دماء شهدائنا ومصابينا لم تذهب هدرا، بل صارت حربنا ضد الإرهاب نموذجا يحتذى به، وتتعلم منه دول شقيقة وصديقة.
شىء مثير للإعجاب، أن تبقى مصر مستقرة شامخة هكذا، وسط دول انهارت أو على وشك الانهيار. فى مقال سابق، كان التحذير من خطورة اتجاه الإرهاب غربا فى إفريقيا، ومن سيناريو تحالف إرهاب بوكو حرام فى غرب القارة، مع تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، ودواعش ليبيا القادمين من أنحاء متفرقة.
ولكن مصر تعرف تماما ما تفعله، وكيف تتحرك. قبل أيام، شهدت القاهرة حدثا تاريخيا، هو افتتاح مركز مكافحة الإرهاب فى تجمع دول «الساحل» و«الصحراء»، أو «سين وصاد».
الفكرة مصرية، منذ قمة 2013 فى نجامينا، وتفاصيلها تبلورت فى أكثر من اجتماع لوزراء دفاع وداخلية س وص، إلى أن وقع الاختيار– طبعا - على مصر لتكون مقرا لهذا المركز، الذى يهدف إلى التضامن والتعاون والتنسيق فى جهود مكافحة الإرهاب بين دول هذا التجمع الذى يضم 27 دولة، وتأسس فى ليبيا عام 1998، ومعترف به من قبل الاتحاد الإفريقى. مهمة المركز ستكون تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية بين الدول الأعضاء حول المخاطر والتهديدات الإرهابية، ودعم جهود تدريب وتأهيل وتعزيز القدرات العسكرية والشرطية والمدنية والاستخبارية فى دول التجمع فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والجرائم الأخرى ذات الصلة. ومجالات التعاون تشمل تطوير آليات لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية، بما فى ذلك توفير منظومات الإنذار المبكر للأطراف الأخرى، ودعم قدرات الدول الأعضاء فى منع من يمولون أو يدبرون أو ييسرون أو يرتكبون الأعمال الإرهابية من استخدام أراضيها فى تحقيق مآربهم، وكذلك منع تحركات هؤلاء الإرهابيين عن طريق فرض مراقبة فعالة على الحدود ووضع ضوابط على إصدار أوراق الهوية ووثائق السفر، فضلا عن تعزيز الوعى، ومشاركة عامة الناس فى الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز الحوار بين الأديان، وبين الطوائف المذهبية، والحوار بين الحضارات، ويمتد الأمر ليشمل تعزيز القدرات والاستعداد لمواجهة الإرهاب الكيميائى والبيولوجى والإشعاعى والنووى، والإرهاب السيبرانى، وجميع الأشكال الجديدة للإرهاب.
فى احتفالية إطلاق عمل المركز، كانت الأسئلة كثيرة عن المهام والتفاصيل وآلية العمل، وجاءت الإجابات شديدة الإتقان والاحترافية، فمحاربة الإرهاب فى إفريقيا بالذات عملية شديدة التعقيد، فهناك تشابكات وتعقيدات كثيرة، إقليمية وعرقية وقبلية، وهناك تقاطع بين عمل التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح وغيرها، وهناك قوى أجنبية موجودة بالفعل لمحاربة الإرهاب ينبغى التنسيق معها، وهناك قوى أخرى ترسل إرهابيين!
بل إننا لو تحدثنا عن بند واحد فقط مثل «المواجهة الإعلامية للأفكار العنيفة»، سنجد فى بعض الدول خريطة شديدة الغرابة تضم وسائل إعلامية محلية، بعضها يصدر عن فرد أو مجموعة أفراد أو قبيلة، أى خارج السيطرة تماما. ولكن، بشكل عام، من الواضح أن مصر ستقوم بعمل رائع مع أشقائها فى هذا الصعيد، لأن العمل الجماعى والاحترافى، لن يوقفه أحد.
وإذا كانت قواتنا المسلحة، تقوم، ولا تزال، بمهامها على أكمل وجه فى الحرب ضد الإرهاب، ومن ورائها رجال الشرطة، فقد بقى أن تؤدى باقى مكونات المجتمع ما عليها أيضا.
فليس مقبولا على الإطلاق أن تبقى بذور الإرهاب تنمو وتتكاثر من حولنا، ونحن «ولا احنا هنا». نعم، الإرهاب ما زال موجودا بيننا، وإذا كنا قد هزمناه عسكريا وأمنيا، فهو «معشش» بين ظهرانينا «مجتمعيا».
نراه ولا نراه، فى صورة فكر، أو همجية، أو فوضوية، أو معارضة زائفة، أو عدم انتماء.
خلايا نائمة ومتيقظة، تنتظر أى حادث، أى أزمة، أى لحظة فوضى، انتظارا لمحاولة عودة جديدة، حتى ولو فى 2030.
الإرهاب موجود فى أفلام يمجدونها، وكأنها «تايتانيك»، وفى كتاب يتداولون أفكارهم وكأنهم «نيتشة».
موجود فى فكر شديد التزمت والانغلاق وكراهية الآخر يرفع شعار الدين، يقابله فكر ساذج متصلف يرفع شعار التنوير.
موجود فى حرب شعواء ضد أى محاولات تطوير لمفاصل الدولة الرئيسية، التعليم، الصحة، النقل. موجود على السوشيال ميديا فى صورة هاشتاجات وصفحات وفيديوهات «حقيرة» لا يجد أصحابها «الأوغاد» من يردعهم.
موجود فى تصرفات صغيرة، مثل ذلك النادى الكبير الذى يحتفل بعيد ميلاد «إرهابى»، ويهين مشجعوه السلام الوطنى!
لن يكون للإرهاب قدم فى إفريقيا، بفضل تعاون مصر وأشقائها.
ولكن بقى علينا أن نهزمه بداخلنا.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: