رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الرئيس السيسى وقضية الوعى

المتابع لخطابات الرئيس عبد الفتاح السيسى وأحاديثه فى المناسبات المختلفة، لابد أن يلاحظ أن أحد الموضوعات المشتركة بينها والتى يكررها من مناسبة لأخرى هى قضية الوعي. ويكاد لا يوجد حديث له فى الآونة الأخيرة لم يتعرض فيه لهذا الموضوع.

وعلى سبيل المثال، ففى كلمته يوم 14 أغسطس 2021 عند افتتاحه لعدد من المشروعات بمدينة بدر، قال إن الوعى هو أخطر قضية تواجه المجتمعات فى العالم.

وفى مداخلة تليفونية له مع برنامج صالة التحرير الذى تقدمه الإعلامية عزة مصطفى فى 23 أغسطس، قال «إن قضيتنا فى مصر هى قضية الوعى الحقيقى لأنه من المهم تحصين شبابنا، وأكد استعداد الدولة لدعم أعمال فنية كبيرة تقوم بمهمة بناء الوعي. وأضاف، أن الأهم هو قضية الوعى بمفهومها الشامل بما فى ذلك الوعى الديني».

وتكررت هذه الإشارات فى شهر أكتوبر، فبمناسبة ذكرى انتصار حرب 1973 المجيدة، قال «إن قضية الوعى هى قضية مصر الأولى التى تُعد مسئولية مشتركة بين الجميع». وأعاد الإشارة إلى ذات الموضوع فى كلمته بمناسبة ذكرى المولد النبوى الشريف فى 17 أكتوبر، حيث قال «إن بناء وعى أى أمة، بناءً صحيحًا هو أحد أهم عوامل استقرارها وتقدمها. وإن قضية الوعى والفهم الصحيح للدين من أهم أولويات المرحلة الحالية، مؤكدا أن مصر ماضية فى مهمتها لبناء الوعى وتصحيح الخطاب الديني، مضيفا انها مسئولية تشاركية تحتاج إلى تضافر كافة الجهود من أجل بناء مسار فكرى مستنير ورشيد يؤسس شخصية سوية».

وفى حفل تخريج طلبة الكليات والمعاهد العسكرية فى 25 أكتوبر، عاد إلى طرح الموضوع وقال «إن الوعى والانتباه لكل الأحداث المحيطة بنا أمر ضروري، موضحاً أن حروب الجيل الرابع والخامس تهدف إلى تشويه الوعى والحيلولة دون الفهم الصحيح للأمور، فهى حروب أفكار وعقول».

وفى مداخلة هاتفية له مع برنامج يحدث فى مصر فى يوم 28 أكتوبر، والذى يًقدمه الإعلامى شريف عامر، قال الرئيس «إن الوعى قضية القضايا فى مجتمعاتنا».

من هذا العرض، لا بد أن يخرج المتابع بأن الرئيس مشغول ومهموم بقضية الوعى فى المجتمع المصري، ولا بد أن هناك أحداثا ووقائع قادته إلى هذه النتيجة، وإدراكه بأنها مسئولية تشاركية تتحملها الدولة والمجتمع على حد سواء.

ويمكن استنتاج تلك الأحداث والوقائع من إشارات الرئيس الى موضوعات بعينها، للتدليل على أهمية موضوع الوعى والتحذير من الوعى الزائف. ويمكن التركيز هنا على أربعة موضوعات:

الأول، هو طبيعة التحديات الراهنة والتطور الذى حدث فى أساليب الحرب وأدواتها. فهناك أساليب الحرب المعنوية والنفسية والتى تهدف إلى إسقاط الدول وتفكيكها وليس مجرد تغيير الأنظمة، فالخصوم يعملون علىاستهداف الدول ويستخدمون أساليب جديدة لتدمير الأوطان من الداخل.

والثاني، هو نمط القيم السائد بين أفراد المجتمع، ومدى تعزيزه لعملية بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة. أشار الرئيس إلى نماذج متنوعة. ففى إحدى المرات، انتقد قيم وممارسات الوساطة وقال بالحرف الواحد الوساطة فساد. وفى أكثر من مرة، أشار إلى أوضاع المرأة وضرورة تغيير النظرة إليها حتى تمارس دورها الفاعل فى المجتمع. وبنفس المنطق، أشار كثيرا إلى قيم المواطنة والمساواة بين جميع المصريين، ونبذ أفكار التعصب والتشدد، وقبول الآخر والعيش المشترك.

والثالث، هو الوعى بخطورة النمو السكانى المضطرد والانفلات فى أعداد المواليد، بما يتجاوز معدلات التنمية الاقتصادية ويضع قيدا عليها. تحدث الرئيس أكثر من مرة فى هذا الموضوع، وبلغ به الأمر أنه وصف هذا النوع من النمو بأنه يُنذر بتدمير المجتمع. وفى نفس السياق، أشار الرئيس إلى موضوع التعليم، وأن التطوير الذى يحدث يهدف إلى تمكين خريجيه بالمهارات التى تؤهلهم للحصول على فرص عمل تنافسية وليس مجرد الحصول على شهادة، مضيفاً أن التعليم الصحيح لا بد أن يسعى أيضاً إلى تنمية قدرات التفكير المستقل والنظرة النقدية وروح الابتكار وتنمية الشخصية الوطنية.

والرابع، هو الوعى بما يحدث فى مصر الآن من مشروعات ومبادرات وسياسات شملت مختلف جوانب الحياة، ومدى معرفة جمهرة الناس بالغاية من هذه الجهود، ودور المواطنين فى إنجاحها والمساعدة فى التغلب على عقبات تنفيذها. ودعا المواطنين أن ينظروا بأنفسهم فيما يحدث حولهم، وأن يمشوا فى شوارع مدينة الأمل، وأن يُفكروا فى ثمرات هذا الجُهد وعوائده فى مُختلف المُدن التى يتم اقامتها.

وتُفصح أحاديث الرئيس عن إدراكه صعوبات عملية الإصلاح وتغيير الوعي، فالإصلاح كما يقول مهمة ثقيلة لا يرضى عنها كثير من الناس فى البداية لأنها تخالف ما اعتادوا عليه وألفوه. ومن هنا، جاءت إشاراته المتكررة إلى دور المجتمع فى دعم التغيير الاجتماعى وإصلاح الأفكار والمفاهيم، وأنه هدف لا يمكن تحقيقه بين يوم وليلة، لأنه يتعلق بطريقة تفكير البشر، والأفكار والقيم والمعايير التى تحدد سلوكهم.

وهكذا، فإن الرئيس يطرح على المفكرين والجامعات ومراكز البحوث تحدياً كبيراً ودورها فى إيجاد حوار علمى بشأن الموضوعات التى تُثيرها قضية الوعي، وهو الحوار الذى بدأه بالفعل المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية. وهذا الحوار يُثير تساؤلات عديدة مثل ماذا يقصد بالوعي، وما هى أنواعه ومستوياته، وما هى مصادر تكوينه، وكيف يتشكل ويتغير؟ وهى قضايا تختلف الإجابات وتتنوع الاجتهادات بشأنها.

وأستكمل الموضوع فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: