انطلق يوم الاحد الماضي، ولمدة أسبوعين، فى مدينة جلاسجو الأسكتلندية، المؤتمر الـ26 للأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP26) الذى يعلق عليه خبراء المناخ كثيرا من الآمال لتجنب السيناريو الأسوأ لتغير المناخ مستقبلا.
هذا السيناريو تبدو ملامحه واضحة فى التقرير الخاص الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فى أغسطس الماضي، والذى جاء فيه أن نطاق التغيرات فى جوانب النظام المناخى ككل غير مسبوقة منذ قرون أو عدة آلاف من السنين. واكد التقرير أن تركيزات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى كانت أعلى فى عام 2019 عما كانت عليه فى أى مرحلة خلال مليونى عام على الأقل، وأن درجة حرارة سطح الأرض ارتفعت منذ عام 1970 بشكل أسرع مقارنة بأى 50 عاما أخرى خلال الألفى عام الماضية على الأقل.
ولعل ما شهده عام 2021 من ظواهر مناخية مرعبة، فى جميع أنحاء العالم، من حرائق الغابات الواسعة، ودرجات الحرارة المرتفعة، والأمطار الغزيرة، والفيضانات والكوارث الطبيعية الاخرى، لهو ناقوس خطر أخير قبل أن تصبح مثل هذه الأحداث أكثر شيوعا، فى عالم تزداد فيه درجة حرارة الأرض ارتفاعا، بسبب انبعاثات الوقود الأحفورى التى يسببها الإنسان. ويتسارع فيها تغير المناخ الذى أصبح اكثر انتشارا وكثافة مع تزايد الاحترار ليتعدى بحلول منتصف القرن الحالى اكثر من 2 درجة مئوية عن المتوسط الذى ساد قبل الثورة الصناعية.
هذا الخطر يتطلب اتخاذ إجراءات فورية وإلزام الدول بوضع أهداف طموحة لخفض الانبعاثات حتى عام 2030 للوصول إلى صافى صفر من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، مما يؤدى إلى إعادة الاحترار إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فى النصف الثانى من القرن الـ21، وذلك لتفادى أن تصبح آثار تغير المناخ على النظم البشرية والطبيعية دائمة وبلا رجعة. وهذا الموضوع سيكون اهم النقاط على جدول اعمال مؤتمر جلاسجو.
لتفادى السيناريو الأسوأ، هناك حاجة لزيادة التمويل لمساعدة البلدان الفقيرة على الانتقال إلى الطاقة النظيفة وللتكيف مع تغير المناخ. والواقع يقول إن العالم لا يزال بعيدا عن الـ100 مليار دولار سنويا التى تم الإعلان عنها فى عام 2009 لتمويل مشاريع للحد من الانبعاثات والتكيّف مع التغيّر المناخى فى الدول النامية. هناك حاجة أيضا للدفع فى اتجاه التخلص التدريجى من استخدام الفحم فى مجال الطاقة، والحد من إزالة الغابات، وحماية النظم البيئية، وتشجيع الاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة. والواقع يفيد ايضا، بأن عددا من الدول الأعلى تسجيلا للانبعاثات، كالصين والهند، لم تتقيد بالموعد النهائى (أى 31 يوليو 2021) لتقديم تحديث لأهدافها الوطنية فى هذا الخصوص، كما هو مطلوب من جميع الموقّعين على اتفاقية باريس على أعتاب مؤتمر الأطراف الـ26.
مستقبل الكرة الأرضية على المحك، لا سيما وان استمرار الاحترار العالمى وتجاوزه 2 درجة مئوية يعنى ذوبان الأنهار الجليدية وغمر مناطق ساحلية كثيرة، وموت الشعاب المرجانية، وموجات حرارة أشد، وفيضانات وحرائق غابات، وما يترتب عن كل ذلك من موجات هجرة ونزوح جماعية، وخسائر اقتصادية فادحة، بالإضافة الى تفاقم الصراع على الموارد والغذاء.
لتجنب هذا المستقبل القاتم ومواجهة تغير المناخ فإن الامر يتطلب تحقيق ثلاثة أهداف، وهي: وضع خطط وطنية ومحلية فاعلة فى مجال التكيف؛ وزيادة الجهود الخاصة بالتكيف ومعالجة الخسائر والأضرار لدعم الفئات والدول الأكثر ضعفاً؛ والحاجة لمزيد من التمويل المقدم من جانب الدول المتقدمة، خاصةً زيادة التمويل الموجه للتكيف. ويمثل مؤتمر جلاسجو فرصة للعمل على تحقيق هذه الأهداف. وهو فرصة أيضا لحشد جميع الفاعلين وأصحاب المصلحة لاتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ الالتزامات والتعهدات الواردة فى اتفاق باريس خاصة فيما يتعلق بتعزيز الجهود العالمية للتكيف والتخفيف.
نجاح مؤتمر جلاسجو، باعتباره آخر فرصة لإنقاذ البشرية، مرهون بأربع نقاط أساسية: أولا، الوفاء بالالتزامات والتعهدات القائمة، وعلى رأسها حشد الدول المتقدمة مبلغ 100 مليار دولار لدعم الدول النامية فى العمل المناخي؛ ثانيا، رفع الطموح فيما يتعلق بأهداف الدول بالنسبة لتخفيض انبعاثاتها؛ ثالثا، ضمان مشاركة جميع أصحاب المصلحة والفاعلين فى المؤتمر؛ ورابعا، الانتهاء من الموضوعات العالقة وعلى رأسها المادة السادسة والهدف الدولى للتكيف. ويعتبر نجاح دول مجموعة العشرين، بصفتها المسئولة عن 80% من الانبعاثات، فى التوصل إلى اتفاق حول سبل تحقيق الحياد الكربونى خلال مؤتمر جلاسجو، خطوة هامة لإحراز التقدم المطلوب.
--------
كاتبة مغربية
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: