رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطورانية التركية تتلقى أولى الضربات

عندما نشرت العديد من الصحف والفضائيات الروسية التقرير الذى بثته قناة تركية عن «الدولة الطورانية»، والمصحوبة بخريطة تقتطع مساحات من روسيا، بالإضافة إلى عدة دول من آسيا الوسطى والشرق الأوسط، حاول وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف التخفيف من وقع الصدمة، وتجنب التصعيد، وقال إنه لا يعتقد أن تركيا تسعى لإقامة ما يسمى بـ «طوران العظيم» لتوحيد الشعوب الناطقة بالتركية فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة، لكنه لم يواصل تكتمه المعهود، وقال لقناة روسية «فى الحقيقة، لا أرى كيف يمكن للبلدان التى كانت ضمن الاتحاد السوفيتى وأصبحت دولا مستقلة، أن تؤيد هذه الفكرة، وجوهر سياساتها الخارجية وأعمالها يتمثل فى تعزيز الدول القومية».

لا يمكن لوزير خارجية روسيا أن يقول علنا أكثر من ذلك، خاصة أن الأزمة بين روسيا وحلف الناتو بلغت ذروتها، والعلاقة مع الولايات المتحدة بلغت حضيضها، ومساعى ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو ستجر أزمة يصعب التكهن بنتائجها، وفقا لبيان روسيا المتحفزة للتحركات العدائية فى البحر الأسود وشرق أوروبا، ولهذا تفضل روسيا ألا تفتح جبهة مباشرة فى هذا التوقيت مع تركيا، لكنها بعثت بأكثر من رسالة واضحة، أبرزها القصف المكثف لمواقع الجماعات المسلحة الموالية لتركيا فى سوريا، والتى استخدمتها تركيا فى غزو ناجورنو كراباخ، وانتزاعها من أرمينيا، وضمها إلى أذربيجان، كما استبعدت روسيا تركيا من حضور المؤتمر المتعلق بمستقبل أفغانستان فى موسكو، والذى اقتصر على روسيا والصين وباكستان وإيران وحركة طالبان، وكانت تركيا تأمل فى حضوره، وتسعى إلى لعب دور محورى فى أفغانستان، وإدارة مطار كابول، ليكون منفذا لها نحو باقى دول «طوران العظيم»، لكن الرسالة الأكثر سخونة للمشروع الطورانى جاءت من إيران، التى وجدت أن خريطة أذربيجان الطورانية تضم أجزاء واسعة من إيران، رافقها منع أذربيجان مرور الشاحنات الإيرانية عبر إقليم ناجورنو كراباخ، لتقطع الطريق البرى لإيران نحو أوروبا، وعلمت إيران بنوايا اقتطاع تركيا للجزء الجنوبى من أرمينيا، بما يحرم إيران من التواصل البرى أو مرور خطوط الغاز والنفط إلى أوروبا، فسارعت بإجراء مناورة عسكرية على الحدود مع أذربيجان، واكبها تصريحات نارية، تصل إلى الإنذار بالحرب للرئيس الأذربيجانى، مع تأكيد عدم التلاعب فى الحدود، واستقبلت وزير خارجية أرمينيا، وتعهدت بمواجهة أى محاولة للمساس بالأراضى الأرمينية، والتى كانت تركيا تأمل فى اقتطاع الجزء الجنوبى منها لتحقيق التواصل الجغرافى مع أذربيجان، ومنها إلى باقى الدول الطورانية فى آسيا الوسطى، ولهذا تتقاطع المصالح الروسية والإيرانية فى إغلاق البوابة الأولى فى وجه الدولة الطورانية، لأن التهاون فيها سيجر ويلات وينكأ جراحا قديمة مازالت تترك علاماتها على الصدور والعقول، فقد نشبت حروب ضارية بين روسيا وتركيا امتدت من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، ومن الصعب على الطرفين نسيانها، فها هو أردوغان يتحدث عن شبه جزيرة القرم الطورانية، التى كان يسكنها التتار القادمون من وسط آسيا، وشتتهم ستالين بين الجمهوريات السوفيتية. كما تراود روسيا الشكوك من شروع أردوغان فى تدشين قناة إسطنبول الجديدة، والتى تتيح للأساطيل المعادية لروسيا الدخول منها حتى فى وقت الحرب، خاصة أنها تواجه معارضة قوية بداخل تركيا، التى تعانى من أزمة اقتصادية حادة.

وهكذا وجدت تركيا أنها فى مواجهة مع روسيا وإيران، بالإضافة إلى الصين، التى ترى فى المشروع الطورانى الخطر الأكبر على طريق الحرير الجديد، ولهذا تشهد الدول الثلاث لقاءات مكثفة لقيادات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية، ويبدو التنسيق بين هذا التحالف الماضى فى التماسك لمواجهة مخاطر مشتركة، فهى الهدف الرئيسى لكل من الولايات المتحدة وحلف الناتو، وترى أن مشروع الدولة الطورانية قد يكون إحدى الجبهات فى صدام قادم حتما، وإن كانت ترى أن أردوغان ربما يمارس لعبته المفضلة فى ابتزاز كل من التحالفين الكبيرين، ويطرح نفسه قوة ثالثة قادرة على ترجيح كفة على أخرى، والتحالف الذى سيعطيه مكاسب أكبر يمكن أن ينضم إليه، ومازال يحاول أن يجمع أكبر قدر من الأوراق، سواء بورقة الخلافة العثمانية، والتى تكاد تحترق تماما أو بديلتها الدولة الطورانية، وها هو يجوب إفريقيا ساعيا إلى تدشين تحالف جديد فى القارة البكر، المرشحة لتكون أهم ساحات النفوذ فى الفترة المقبلة، وإن كان أردوغان يعانى من اتساع أحلامه، فإن هذا الإفراط يفوق قدرات دولته المتعبة اقتصاديا، ولن تتحمل كلفة المضى فيها، لكن أردوغان لا يكف عن خوض المغامرات الصعبة حتى لو تحولت إلى حبال تطوق رقبته.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد

رابط دائم: