فى قضية التعليم، سأقول كلاما قد يغضب البعض، ولكنه «يرضى الضمير»!
دعونا نتفق أن إصلاح التعليم فى مصر «أمن قومى»، وتطويره أيضا «أمن قومى»، وبقاؤه فاسدا ومتخلفا، تهديد مباشر وخطير لهذا الأمن القومى، ودعونا نتفق أيضا أن قضايا الأمن القومى لا تناقش عبر الفيسبوك وتويتر، وقراراتها لا تتخذ بطريقة «ريح الزبون» أو «بناء على طلب الجماهير»، ففى قضية الإصلاح الاقتصادى، اتخذ السيسى قرارات صعبة، لو أخذ فيها رأى «الزبون» مسبقا، الذى هو «الشعب» فى تلك الحالة، لما وافقه أحد، ولكنه فعلها، و«طلع صح»!
الزبون ليس دائما على حق، فنحن نتحدث عن إدارة بلد، لا عن إدارة «مطعم» أو «كافيه» أو محل كوافير!
انسوا حكاية «الحوار المجتمعى» والمعارضة والاختلاف، والاستماع إلى جميع الآراء، و«التفعيص» فى كل القضايا، أرجوكم، ففى مصر بالذات، إذا أردت السهل، عارض، واعترض، وإذا أردت قتل قضية، اطرحها للنقاش، وخذ فيها رأى هذا وذاك!
فى قضية التعليم تحديدا، «الزبون» أكثر من طرف، وكل طرف له مصالحه، وأهدافه، ورؤاه، وهذا واضح لنا أمامنا. «زبون» التعليم بشكل عام، لا يريد سوى بقاء الحال على ما هو عليه، بلا تطوير بلا «وجع دماغ».
المدرسة مثلا، لماذا تهتم بتطوير التعليم، وكل ما يعنيها نجاح «المشروع» وزيادة الإيرادات، عبر رفع المصروفات، وتكديس الفصول، والانتفاع من فلوس الباصات واليونيفورم وحفلات الماذرز داى والهالوين وبيزنيس «الكانتين» والرحلات وخلافه؟!(مدارس الرهبان استثناء).
المدرس أيضا، الذى كان رسولا، وصار تاجرا، لماذا يهتم بتطوير التعليم، وهذا التطوير سيأتى على «دماغه» هو أولا وأخيرا، لأنه سيلزمه بطريقة جديدة لا تناسب قدراته، وهو فى النهاية لا يعنيه سوى زيادة راتبه وعلاواته، أو إطلاق يده فى العمل بالدروس الخصوصية و»السناتر»، ويا حبذا، كلاهما معا، وعندما حاولوا إيجاد «مساعدين» وبدلاء له، امتعضوا!
والطالب نفسه، لماذا يهتم بتطوير التعليم، إذا كان هذا التطوير سيدفعه للتفكير والبحث والقراءة، والعياذ بالله، وسيحرمه من الغش فى امتحان نهاية العام، وسينفضح الفارق بين الطالب الموهوب، والطالب «الموظف»؟!
حتى أولياء الأمور، يبدو موضوع التطوير بالنسبة لهم رجسا من عمل الشيطان، يحاربون لإفشاله، ثم يتهمون الوزير بالفشل، ولا يرضيهم سوى أن تكون أمامهم مناهج واضحة «بالكيلو»، وامتحانات وإجابات نموذجية، ثم نجاح «الواد» أو «البت» فى الثانوية العامة بمجموع 100%، للالتحاق بكلية قمة بمعايير «زمان» لا مكان لخريجيها فى سوق العمل؟!
حتى وزارة التربية والتعليم من داخلها يوجد بها من يقاوم أى خطوة للأمام، أما فى الإعلام، فما زال ركوب الموجة ومغازلة الزبون هو النهج الطاغى، فى قضية التعليم، وفى غيرها، فلا جديد!
إذن، المشكلة الحقيقية هى أن من يريد تطوير التعليم فى مصر، ليسوا الطلاب، ولا المدرسين، ولا أولياء الأمور، ولا المدارس، ولا الإخوان بطبيعة الحال، فقط السيسى ووزير التعليم!
اتفق أو اختلف مع طارق شوقى كما تشاء، وانتقده كما تريد، فالرجل كما هو واضح يتقبل النقد، ويعرف كيف يواجه بمفرده، ومتى يقرر، وكيف يتراجع أيضا فى بعض الأمور، إرضاء لـ«الزبون»، ولكننى لست سعيدا على الإطلاق بهذه الحرب الشعواء التى يتعرض لها مشروع تطوير التعليم، حتى وإن بدا ذلك ممثلا فى هجوم على شخص الوزير وسياساته.
من الذى أفسد كل خطوة إصلاحية؟ الوزير أم «الزبون»؟ ماذا فعلنا فى «التابلت»؟ ماذا فعلنا فى «الثانوية التراكمية»؟ ماذا فعلنا فى بنك المعرفة؟ ماذا فعلنا فى الامتحان الإلكترونى؟ ولا حاجة، عدنا من جديد إلى دين آبائنا وأجدادنا، إلى الدروس الخصوصية والسناتر والغش الجماعى، وما زلنا نمارس «الزن» باقتدار حتى نبقى غارقين فى مناهج الحفظ والصم والإجابات النموذجية، والأسوأ أننا جميعا «ركبنا موجة» تأزيم و«شيطنة» العملية التعليمية بشكل عام، وانتقاد كل شيء، وإلقاء تهم وأخطاء سبعين عاما على عاتق شخص واحد، ووصلت «المسخرة» لدرجة أننا شهدنا وسمعنا عن استهزاء و«تنكيت» على تجربة المدارس اليابانية من أناس لا يعرفون الألف من كوز الذرة، رغم أن التجربة حظيت بإشادة اليابانيين أنفسهم، وحتى البريطانيون أبدوا اهتماما بتجربنا فى تطوير التعليم.
والله لو فعلوا فى سنغافورة مع لى كوان يو، مهندس نهضتهم، نفس ما نفعله الآن، لبقيت سنغافورة خارج إطار التاريخ حتى يومنا هذا!
أدعم طارق شوقى، وكل طارق شوقى فى هذا البلد، ولا أنافقه، فليست لدى مصلحة معه، ويكفى أنه أول وزير يضع يده فى وكر الأفاعي.
وحتى لو أخطأ، فلست على استعداد للوقوف فى صف واحد ضده لحساب تحالف شيطانى قوامه الفاسدون والإخوان، وتنابلة السلطان!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: