رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بليغ حمدى

لو كان ألمانيا لأقاموا له تمثالا فى برلين، ولو كان إيطاليا، لوضعوا صورته على أوراق العملة، ولو كان أمريكيا، لصنعوا تيشيرتات وقبعات و«ماجات» تحمل اسمه وصورته.

لم يكن بليغ حمدى أقل من بيتهوفن وموتسارت وباخ من حيث الموهبة والإبداع والتأثير، ولكن كما كانت «مصريته» هى سر عبقريته وإبداعه وإلهامه، كانت أيضا سبب أزمته وغربته، ثم وفاته.

لم يكن بليغ مجرد ملحن «والسلام»، ولا حتى «مبدعا» فحسب، بل كان مجددا، ومن علامات الفن، وهو الوحيد الذى يمكن أن تستمع إلى أغنية ما فتبصم بالعشرة فورا أنها من تلحينه، وهذه قمة العبقرية والتفرد.

كان متيما بالموسيقى، فانشغل بها عن حياته، أول هدية طلبها من والده هى «العود»، وأتقن العزف عليه وهو فى التاسعة، بدأ مطربا بصوت جميل، ولكنه فضل التلحين، وبدأ المشوار من الصفر، انشغل بالموسيقى عن الدنيا بأكملها، فلم يستقر فى زواج، ولم ينجب، اتهموه بـ«البوهيمية»، وبأنه كان «مخاوى جن»، فألحانه كانت غير طبيعية فى روعتها وحداثتها.

يحكى أن عبد الوهاب قال عنه إنه يأتى بجمل لحنية لا تأتى للملحن إلا مرة واحدة فى العمر!

لا أحد يعرف سر عبقريته، ولا أحد يمكنه أن يتخيل طبيعة الحالة المزاجية التى كان عليها وهو يلحن، مثلا، مقدمة «الحب كله» لأم كلثوم، أو «حاول تفتكرنى» لعبد الحليم، أو حتى مقطوعة «دندش» المبهجة.

تميز بسرعة الأداء، فكان كثيرا ما يلحن من أول مرة يستمع فيها إلى الكلمات، وكان كثيرا ما يضع اللحن، و«يركب» عليه الكلمات، بل كان أحيانا يكتب الجمل الموسيقية التى ترد إلى خاطره على «علبة السجائر»!

تميز أيضا بغزارة الإنتاج، فكما لحن لعظماء، لحن لأسماء مثل عدوية ومسعد رضوان وفاطمة سرحان، بل له ألحان لمطربين عرب، مثل طلال مداح ومحمد عبده وعبد الله بالخير وسعدون جابر وسلمى الفلسطينية!

اكتشف كنز الفلكلور، ونهل منه طويلا، فصنع من أغنيات الصبايا والأطفال والعجائز والنواحة فى قاع الريف والصعيد ألحانا أنيقة غناها الملايين، مثل «أنا كل ما أقول التوبة»، و«ميتى أشوفك»، و«خدنى معاك»، و«قولوا لعين الشمس».

تميز باحتضانه للشباب، فلحن لهانى شاكر صغيرا، ولحن للحجار والحلو ومنير وثروت، وجمع عددا منهم فى أغنية «أنا م البلد دي»، وكان دائما يقول: «اتركوهم يغنون»، و«يغنوا غلط أحسن ما يسكتوا»!

كان يكتب النوتة الموسيقية بنفسه، ويوزع بنفسه، وكان يصر على آلات معينة، لتقديم «صولوهات» مبتكرة، ومن هنا جاءت نجومية جيتار عمر خورشيد وساكسفون سمير سرور وأورج مجدى الحسينى وناى عفت وإيقاع حسن أنور، وظهرت فى فرقنا الموسيقية آلات جديدة كالعود الكهربائى والربابة والمزمار البلدى.

حتى «المجموعة»، صنع لها أدوارا بطولية فى ألحان كثيرة، مثل «بسم الله الله أكبر»، ومثل رائعة شادية «خلاص مسافر»، ومثل أغنية «بحر البقر» فى فيلم «العمر لحظة»، وأغنيات فيلم «شىء من الخوف».

جدد شباب أم كلثوم، وصنع لها ألحانا هى الأقرب لآذان المستمعين، حسب شهادة «الأبنودى». «فات الميعاد»، جعل بدايتها، نهاية لقصة حزينة.

«عملق» عبدالحليم، وصنع له ألحانا أشبه بمحاضرات فى فنون الموسيقى والغناء، من «خايف مرة أحب»، و«على حسب وداد»، إلى «موعود» و«أى دمعة حزن لا». «زى الهوا»، بها «كوبليه» تسمع فيه صوتا للورد والشمع!

وضع وردة فى مصاف مطربات الصف الأول بألحان مجنونة، من «العيون السود»، أرقى أغانى الحب، إلى «باودعك»، أول وآخر أغنية تتحدث بلسان إنسان يودع الحياة!

قدم أجمل أغنيات محرم فؤاد وعفاف راضى وميادة الحناوى وسميرة سعيد.

حتى فايزة أحمد التى أبدعت مع سلطان، لم تقدم أفضل من «حبيبى يا متغرب».

ونجاة التى غنت لعبد الوهاب والسنباطى، قدم لها بليغ روائع مثل «سكة العاشقين» و«حياة اللى فات».

ألحانه كانت ولا تزال الأفضل فى كل الفئات.

وطنياته، هى الأخلد، من «عدى النهار» و«المسيح»، إلى «الربابة» و«يا حبيبتى يا مصر»، ثم «بوابة الحلوانى»، أغانيه الرومانسية، هى الأجمل، من «أه لو قابلتك من زمان» و«لمين يا قمر»، إلى «الحب اللى كان»، أغانيه الحزينة، هى الأفضل، من «تخونوه» إلى «وسط الطريق» إلى «زى الزمن» التى غناها بصوته فى الغربة، حتى «الدينية»، هى الأصدق، مثل «مولاي» وباقى النقشبنديات، و«صلوا على محمد» لعفاف راضى.

أغانيه عن الغربة تمزق القلب.

وبليغ المولود 7 أكتوبر والمتوفى 12 سبتمبر عن 62 عاما ...

.. عذرا .. فالمساحة لا تكفى!


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: