رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حاربنا أمريكا فى حرب أكتوبر المجيدة

عندما عبر الجيش المصرى العظيم فى السادس من أكتوبر واجتاح المواقع الإسرائيلية فى ملحمة تاريخية عظيمة, انهارت القيادة الإسرائيلية وظلت جولدا مائيرتتوسل لهنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق ملحة وباكية أحيانا لينقذ إسرائيل من هزيمة مؤكدة. عندها أدرك الأمريكيون خطورة الأمر وخصوصا كيسنجر. من أجل ذلك بذل كيسنجر قصارى جهده وجعل كل سعيه حرمان مصر والعرب من نصر مؤكد ولو اقتضى الأمر تدخل أمريكا السافر فى الحرب. كل الوثائق المتاحة والتى تم إزالة السرية عنها فى السنوات الأخيرة تؤيد حجم التدخل الأمريكى المباشر فى الحرب بكل ثقلها وجبروتها. أولى هذه الوثائق ما أذاعه التليفزيون الإسرائيلى فى فيلم تسجيلى بعنوان: الحرب التى كان من الممكن تجنبها فى أربع حلقات متواصلة بمناسبة الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر, وفيها ظهر هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق ليقص على الإسرائيليين على استحياء أن أمريكا أنقذت إسرائيل من هزيمة محققة وأنهم يدينون بذلك لها. قال كيسنجر فى ذلك التسجيل: كان التاسع من أكتوبر هو لحظة الحضيض لإسرائيل منذ بداية الحرب. يومها طلبت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية بطريقة يائسة منى أن أقوم بترتيب اجتماع سرى عاجل مع الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. غير أنى نصحتها بإخلاص على ألا تترك إسرائيل وتأتى لأمريكا لتطلب المساعدة والدعم والمعركة محتدمة لأن ذلك سيفسر من قبل خصوم إسرائيل على أنها فى حالة ضعف شديد. هذا الطلب من مائير جعل من الضرورى مثلما جاء على لسان كيسنجر أنه يتعين على أمريكا أن تقوم على وجه السرعة بتعويض خسائر الأسلحة والمعدات الكبيرة التى تكبدتها إسرائيل منذ السادس من أكتوبر, أضاف كيسنجر فى ذلك التسجيل أن إسرائيل يجب أن تظهر الامتنان المستحق للدور الأمريكى تجاه ما قامت به أمريكا بهذا الشأن وإنشائها جسرا جويا لتعويض نكسة الخسائر الإسرائيلية الفادحة فى الثلاثة أيام الأولى للحرب. كان لسان حال كيسنجر فى هذا الفيلم التسجيلى أن أمريكا أنقذت إسرائيل فى حرب أكتوبر نتيجة قيامها بإمدادها بمختلف الأسلحة الإستراتيجية الضرورية لضمان تحقيق الغلبة لها وبإمدادها بأسلحة جديدة مثل الصواريخ المضادة للدبابات (تى. أو. دبليو), والتى لم تستخدم أبدا من قبل وبدبابات جاهزة للدخول فى المعركة فور هبوط الطائرات الأمريكية العملاقة جالكسى والتى كانت تحمل كل واحدة منها أربع دبابات من أحدث ما أنتجت مصانع الأسلحة الأمريكية قادمة من قاعدة كامب لاجون بولاية نورث كارولينا الأمريكية لتهبط للتزود بالوقود فى قاعدة الأزور بالبرتغال ومنها الى ميدان المعركة فى سيناء. حدث هذا فى الوقت الذى بدأ السوفيت فيه تقليص إمداد مصر بما تحتاجه من أسلحة ضرورية لتعويض خسائرها. كانت عملية الإمدادات تلك مصدر صراع حينها بين وزير الدفاع جيمس سيلزنجر الذى كان معارضا لصعوبتها وضخامتها خصوصا أن أمريكا قامت بإرسال كل احتياطى الأسلحة الأمريكية الموجودة فى القواعد الأمريكية الموجودة فى ألمانيا الغربية وإيران. بتاريخ 12 أكتوبر وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار بعد أن كانت مصرة على الاستمرار بالحرب. يقول كيسنجر بهذا الخصوص أن أمريكا تريد توقيع اتفاقية سلام تكون فيها إسرائيل قوية غير مهزومة وخصوصا أن مصر عبرت القناة وتمركزت على الضفة الشرقية للقناة ولو تفاوضنا عند هذه النقطة لكان تفاوضا فيه مصر هى الفائزة بالحرب. هناك وثيقة أخرى شارحة ومؤيدة لتدخل أمريكا المباشر فى الحرب. تحوى هذه الوثيقة تفاصيل اجتماع صاخب تم فى واشنطن بتاريخ 13 أكتوبر 1973 حضره وزير الدفاع جيمس سيلزنجر وهنرى كيسنجر وزير الخارجية ونوابهما ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية وليام كولبي. بدأ كيسنجر حديثه للجنة بقوله أن لدى أمريكا هدفين للحرب: أولهما أن تحقق إسرائيل النصر, وسيتأتى هذا بسعر باهظ. وثانيهما أن نخلق حالة يستنتج منها العرب أن السلام لن يحدث إلا من خلالنا. وأنه يتعين علينا أن نظهر جليا لإسرائيل أنه يمكنها تحقيق النصر فى الحرب فى حالة الاعتماد علينا فقط. من أجل هذا لابد من إنشاء جسر جوى لمد إسرائيل بالأسلحة. عندها عارضه جيمس سيلزنجر قائلا إن عملية الجسر الجوى خاطئة وشبه مستحيلة لبعد المسافة والتى تزيد على 5000 ميل, وأنه بإمكاننا أن نعوضهم فقط من الأسلحة المتاحة فى قواعدنا فى أوروبا وغيرها. عندها رد كيسنجر قائلا: ربما يكون العرب يشعرون بالنصر وهذا يعنى أن الاتحاد السوفيتى قد ربح أيضا. إسرائيل الآن تعانى نتيجة نقص الإمدادات وقد ينكسرون الآن فى الوقت الذى نريد منهم الصمود. إنى متأكد أن كتب التاريخ ستظهر أن إسرائيل هزمت نتيجة سوء التخطيط وبلادة التكتيك. أما الآن فأمامنا فرصة للدبلوماسية والتى لن تتحقق إلا بإيقاف العرب. ما تجدر ملاحظته عقب ذلك الاجتماع أن الرئيس نيكسون تبنى وجهة نظر كيسنجر ولم يعر وجهة وزير الدفاع المعارضة التفاتا وعنفه علنا, وأمر بإنشاء الجسر الجوى لنقل الأسلحة من القواعد الموجودة فى أمريكا لتصل أرض المعركة فى سيناء بعد وقوفها فى جزرالأزور بالبرتغال. إضافة الى ذلك أرسل خطابا شخصيا لرئيس الوزراء البرتغالى نصه أن الولايات المتحدة فى مسيس الحاجة الى تعاون البرتغال ودعمها لإنهاء الصراع فى الشرق الأوسط وتحقيق السلام. وأضاف نيكسون فى خطابه أنه فى حالة تعرض البرتغال الى حوادث إرهابية ضدها أو تعرضها لمقاطعة بترولية نتيجة مساعدتها للولايات المتحدة فإن الولايات المتحدة ستعوضها وتحميها. وأضاف مهددا أنه فى حالة فشل ذلك فإن الولايات المتحدة ستجد آخرين يساعدونها, وأنه فى هذه الحالة ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات مضرة للبرتغال. أمريكا حاربتنا بكل جبروتها ورغم ذلك انتصرنا بشهادة كيسنجر وبشهادة التاريخ التى ذكرها كيسنجر.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: