رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أكتوبر.. وأحاديث الإفك

اتركوا الواتساب والفيسبوك قليلا، واجلسوا مع أبنائكم وبناتكم، وتحدثوا معهم عن حرب أكتوبر، قبل أن نفاجأ بعد سنوات بجيل لا يعرف عن 6 أكتوبر سوى أنها اسم منطقة، ويوم إجازة!

تكلموا مع أبنائكم عن أيام الحرب. علموهم أنها كانت ولا تزال أعظم أيام مصر. قولوا لهم ما الذى جرى بالضبط، على جبهة القتال، وفى الجبهة الداخلية. اشرحوا لهم ماذا قدمناه من تضحيات حتى نصل إلى ذلك اليوم. حفزوهم على مشاهدة وثائقيات الحرب المصورة على التليفزيون أو على النت، وازرعوا لديهم الثقة فى المصادر المصرية بالذات. ساعدوهم على التفريق بين الكذب والحقيقة عند مشاهدة المصادر الأجنبية، ولا تتركوهم فريسة للتضليل والجدل العقيم الذى يستهدف تشويه هذه الحرب وطمسها من أذهانهم تدريجيا.

تحدثوا معهم بلغة يفهمونها. قولوا لهم مثلا إن ما حدث كان باختصار أشبه بفريق كرة قدم دخل مباراة وهو يحتاج إلى الفوز على منافسه «العنيد» بأى نتيجة، فإذ به يهزمه بنصف دستة أهداف، و"يمسح به" أرض الملعب، ليس هذا فحسب، بل ويتحول إلى «عقدة» أبدية له!

قبل أكتوبر 73، كان الوضع على الأرض على النحو التالي: أرض سيناء محتلة بالكامل، قناة السويس مغلقة تماما، مدن القناة مدمرة وخاوية على عروشها، خط بارليف يخرج لسانه للمصريين، ساسة مغرورون فى تل أبيب، جيش لا يقهر وذراعه طويلة، وطائراته تتنزه فى سماء مصر كما تريد.

وبعد أكتوبر 73، أصبح الوضع كما يلي: انكسرت ذراع إسرائيل، وبكى قادتها بالدموع، وجرى الناس فى شوارعهم ذعرا، وعاد جنود الجيش الذى لا يقهر إلى تل أبيب رفاتا أو أشلاء أو جرحى أو بالبيجامات الكستور، وعبر المصريون القناة، وتحول خط باريف إلى «فتافيت»، وتقدم المصريون فى أراضى سيناء، وأنقذت هدنة كيسنجر فرقة شارون من الإبادة قرب السويس.

ولم تكن هذه هى نهاية الحرب على الإطلاق، ففى 1975، أعادت مصر افتتاح القناة أمام حركة الملاحة العالمية، وفى 1978، جلست إسرائيل للتفاوض مع مصر، بعد أن كانت لا تتحدث إلا بلغة الدم، وفى 1979، وقعت صاغرة فى كامب ديفيد على كل طلبات القائد المنتصر فى الحرب، وفى 1982، انسحبت إسرائيل من كامل سيناء، «بالذوق»، وفى 1988، خسرت معركة طابا التفاوضية، وفى 1989، عادت طابا للسيادة المصرية، لتعود سيناء مصرية بالكامل، من رفح شمالا إلى طابا جنوبا، بالحرب وبالسلام.

عادت سيناء، بمدنها ومنتجعاتها وجبالها ووديانها. عادت بأهلها وثرواتها وبترولها ومحاصيلها. عادت إلى جيش يحمى كل شبر من أراضيها، وإلى دولة تقود فيها حركة تنموية هائلة وحركة إعادة إعمار داخل غزة نفسها. عادت إلى قادة أوفياء مخلصين يقيمون عليها المشروعات العملاقة، وآخرهم مشروع واحد فقط كفيل بزراعة 400 ألف فدان.

أبعد كل هذه النتائج، لا يزال هناك مغيبون يزعمون أن الحرب كانت سجالا، أو أن إسرائيل انتصرت؟! أبعد كل هذه التطورات المتلاحقة، لا يزال هناك «بلهاء» يتحدثون عن انتصار مصرى غير كامل فى أكتوبر؟!

أبعد كل هذه المعطيات، وبدون الدخول فى تفاصيل عسكرية دقيقة، لا يزال هناك من يتحدث عن سيادة منقوصة فى سيناء؟!

أبعد هذا كله، لا يزال البعض يتحدثون عن الثغرة وكأنهم "جابوا الديب من ديله"؟!

هل التاريخ يحتمل التأويل و«التفعيص»إلى هذه الدرجة؟!

حقيقة، لا أستطيع حتى الآن تفسير ما يفعله غلاة اليسار والناصريين وهم «يفتون» بكل ثقة بأن الحرب أديرت بشكل خاطيء، أو أن «ناصر» هو بطل أكتوبر الحقيقى، أو أن الشاذلى كان القائد الأوحد للمعركة، كما لو كان السادات ضيف شرف فى غرفة عمليات الحرب، أو «متفرجا» على أحداثها، مثلما اتهموه بالفرجة فى السيما ليلة ثورة يوليو!

هذا «العك» لا يجب أن نترك أبناءنا وبناتنا فريسة له، فنحن لا نتحدث عن «فرح العمدة»، ولكن نتحدث عن حرب عظيمة، لها قادتها، وشهداؤها، وضحاياها، ونقطة تحول فى تاريخ وطن بأكمله، وسبب رئيسي لحب المصريين الجارف لقواتهم المسلحة.

هل يعقل أن العالم بأكمله يعرف من انتصر ومن انهزم فى الحرب العالمية الثانية، وفى حرب تحرير الكويت، وفى حرب البلقان، وفى حرب الهوتو والتوتسى، ولدينا من لا يزال يروج لأن حرب أكتوبر انتهت بالتعادل، أو أنها كانت هزيمة لمصر؟!

التاريخ يكتبه المنتصرون، ولا يكتبه المنهزمون، ولا الكاذبون، ولا المهرجون، ولا «الحشاشون»، وكفى أكتوبر ما نالها من تضليل عبري، و«إفك» تيار «الدونية» العربى.


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: