تعيش الإسكندرية هذه الأيام أتعس أيامها، فقد استيقظ السكندريون الأسبوع الماضى على خبر حزين هو تغليف إحدى عمائر شارع النبى دانيال التراثي القديم بالخيش الأخضر من أعلاها الى أسفلها، وهذا الخيش الأخضر هو فى عرف السكندريين نذير شؤم فهو يعنى فى الذاكرة الجمعية للمدينة أن المعاول تستعد لهدم المبنى بشراسة، ولمن لا يعرف فشارع النبى دانيال يكتظ بالمبانى القديمة التى يعود تاريخها الى أكثر من مائة عام، كما أنه يضم المعبد اليهودى ومبانى تابعة للكنيسة المرقسية ومسجد النبى دانيال الأثرى، ويعد الشارع من عشرات السنين شاهداً على تسامح الأديان وسماحة مصر، ففى بناياته سكن المسلمون واليهود بجانب الأقباط ، كما يعتبر ملتقى للحضارات فهو يضم آثاراً بطلمية ورومانية ويقود للمسرح الرومانى بالإضافه لكونه شارعا تجاريا.
ومؤخراً وصلت كتيبة إعدام التراث إليه ووضعت يدها على إحدى بناياته الجميلة التى تحكى الكثير من ذكريات المدينة وقررت تحت دعوى تهالك المبنى وخطورته ضرورة هدمه على الرغم من أنه كان ضمن مجلد حفظ التراث، ولسبب ما تم إخراجه منذ سنوات من المجلد تمهيداً لهدمه ، والتساؤل الذى يطرح نفسه: لماذا لا يحظى تراث وتاريخ المدينة بأى اهتمام ؟ وكيف نسمح بهدم تراثنا تباعاً بدلاً من الحفاظ عليه ؟ وألم يكن من الأنسب الاستثمار فى هذه المبانى القديمة كما تفعل الدول المتقدمة بالحفاظ على الواجهات القديمة وتغيير الداخل ليتناسب مع العصر؟ ألا يوجد مستثمرون فى مصر يمكنهم التعاون فى هذه المجالات ؟ وما أحب أن أؤكده أن المبنى الذى يحاولون هدمه قوى وراسخ، فقد تمكن أحد زملائى المصورين من التقاط صور من إحدى العمارات للعمال وهم يحاولون تكسير الأحجار الداخلية الضخمة والحوائط الحاملة فلا يتم ذلك إلا بمنتهى الصعوبة.. وللعلم فإن المبنى الذى أمر عليه يومياً فى طريقى لـ «الأهرام» تم إخلاؤه من السكان منذ عشرين عاماً أملاً فى سقوطه ولكنه تحدى الجميع وصمد ..فهل يتدخل أحد لإنقاذه قبل أن نفقد كل مبانينا الجميلة والعريقة والقديمة .
لمزيد من مقالات أمـل الجيـار رابط دائم: