ثلاثة أشهر حاسمة من الآن فى عمر الأزمة الليبية ـ أى مايعادل ١٢ اسبوعا فقط ـ تلك الممتدة منذ عشر سنوات من الفوضى وجولات الحروب القاتلة بالوكالة ليست بالوقت البعيد. حيث لحظة الحقيقة قادمة اما النجاح والعبور بسلام الى إنقاذ هذا البلد وكتابة تاريخ جديد لوطن يحتوى خمسة ملايين نسمة ويعوم على بحيرات من النفط والغاز وثروات بالتريليونات تكفى عشرات السنين على مساحة تغطى مليوناً و٧٠٠ الف كيلو متر مربع. او الذهاب من جديد الى سنوات الانكسارات وعودة لزمن الخيبات ومعارك الارهاب والقتل التى تتوالى فصولا. حيث الجميع فى ليبيا والاقليم والعالم بدوله الكبرى المتحفزة للفوز بجائزة وقف ووداع دراما الحروب الفتاكة والحصول على نصيب الاسد فى كعكة البناء ومعركة اعادة الاعمار يحبسون الانفاس معاً ينتظرون لحظة اعلان الوفاق النهائى والتلاقى بين الفرقاء الليبيين والقبول بنتائج ماراثونية جولات الانتخابات التشريعية والرئاسية لو اجريت فى الموعد المحدد فى الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.
بحسابات القوة والمصالح هناك صراع وجودى بين فريقين فى الداخل الليبى لايتفقان وبين دولة محددة فى الاقليم لها اجندة معروفة وليست خفية تساندها دولة كبرى من الاعضاء الكبار فى مجلس الامن لاتريد ولاترغب فى انهاء تداعيات ومأساوية المشهد الليبي. الا اذا ضمنت الحصول على النصيب الاكبر وحصيلة الارقام الفلكية فى فواتير اعادة الاعمار ومشاريع السيطرة والنفوذ والتمكين والبقاء فى المشهد الليبى لعشرات السنوات ٠ ومن اجل كل ذلك هم يتعاونون ويوفرون الغطاء لفريق لاباس به فى الداخل الليبى ومحسوب على جماعة الاسلام السياسى التى تمثل الاخوان الارهابية قيادته له وجود ونفوذ فى ساحات المشهد الليبى -المجلس الاعلى اى جماعة خالد المشرى - وخاصة مناطق الغرب وفى القلب منها طرابلس العاصمة. وبالتالى ستبقى نهايات المشهد الليبى معلقة لايمكن الجزم بشكل ومضمون مايحمله قادم الايام من مفاجآت وتداعيات. حتى الآن لايملك احد فى الداخل والخارج الجزم بقطعية اجراء الانتخابات وتسليم السلطة لرئيس منتخب وتشكيل مجلس نواب متعدد ومتنوع يضم سائر الاقاليم الليبية ٠ الذين يشككون فى اجراء الانتخابات كثر وعلى راسهم نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية عندما اعترفت صراحة فى مؤتمر الجزائر الاخير لدول الجوار وقالت علناً ان هناك تحديات سياسية وامنية وعسكرية تواجه اجراء الانتخابات فى الموعد المرتقب. هى ليست ضد عودة الاستقرار وضمان انهاء مأساة وطنها، فهى عضو رئيسى فى الحكومة يرصد ويرقب دقائق تعقيدات الموقف والمعارك الداخلية ويرصد جملة التحديات الداخلية. ناهيك عن المحاولات المستميتة لفصيل الاخوان وجماعة المشرى والمفتى الفار الى انقرة وعلى الفريانى الذى يرسل النداءات والفتاوى المعلبةالى انصاره ومؤيديه لإحراق الارض يوميا فى ليبيا تحت اقدام الجميع لمنع الوصول الى الموعد المرتقب للانجاز والمصالحة والاستقرار النهائى بعد جولات الانتخابات المرتقبة.
فى المقابل الغالبية فى الداخل الليبى خاصة قيادات الشرق عقيلة صالح رئيس مجلس النواب والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى الذى ترك رئاسة قوات الجيش مؤقتا من أجل التفرغ لمعركة السباق الرئاسي. وغيرهم فى الغرب الليبى بمن فيهم رئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مصممون هكذا يقولون على اجراء الانتخابات فى موعدها مهما يكلفهم الامر من اجل الوصول الى هذا الموعد من تضحيات وتكلفة. فى المقابل هناك ادوار لدول كبرى مثل مصر فى المقدمة حيث الجهد والحركية لتعبيد الطريق واصلاح ذات البين وجسر الهوات بين الفرقاء الليبيين الذى يتفوق على جهد اللاعبيين الدوليين الآخرين الذين يشاركون الجهد ويشاطرون بالرأى والمشورة ولكن بطاقات اقل من القاهرة التى ترى بدبلوماسية الحكمة والذكاء السياسى ان الفرصة المتاحة الآن لحل الازمة الليبية هى افضل الفرص على الاطلاق وربما الوحيدة القائمة لقطع الطريق على المتربصين لتصدير الازمات والمناكفات لاستمرار صيرورة الفوضى الجوالة فى ليبيا ٠ بالطبع هناك جهد امريكى واوربى تتصدره ايطاليا وفرنسا والمانيا بغطاء من الامم المتحدة لها حضور ومبعوث دولى خاص ٠ولكن بلا فعالية ضاغطة اوصارمة بالتلويح بالخيارات الصعبة فى وجه من يضعون المتاريس امام اجراء الانتخابات او يصلون الى لحظة الحقيقة وكتابة المشهد الاخير لإنهاء الانقسام والفوضى والتشظى الليبي. حيث يجب ألا ننسى الحضور والدور التركى فى هذا الشان وهذا مازال جوهر الخلاف بين القاهرة وانقرة حاليا فى المباحثات الاستكشافية لتقارب العلاقات واصلاح ذات البين قبل العودة وتطبيع العلاقات الثنائية.
فى تقديرى ان فرصة الحل والوصول الى استحقاقات التفاهم والتلاقى بين الفرقاء الليبيين ودول الاقليم واللاعبين الدوليين فى الازمة مازال قائما ومتاحا عبر التوافق على آليات الحل التى صاغتها قرارات الامم المتحدة بشأن ليبييا ومخرجات مؤتمرى برلين الاول والثانى مقابل التقيد والالتزام بجدول زمنى ملزم خلال ايام وليس اسابيع. ولتكن تلك مهمة انعقاد المؤتمر الشامل والجامع الذى اعلن عنه رئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى الشهر القادم بليبيا لوضع الآليات العاجلة بالتنفيذ خاصة نقاط خروج الإهاربيين والمرتزقة والقوات الاجنبية وانهاء جميع انواع الوجود العسكرى لدولة اقليمية. فإذا حدث ذلك نستطيع القول اننا اقتربنا من سباق العشرة امتار الاخيرة لانهاء أزمة ليبييا وبدء العد التنازلى الحقيقى لماراثون الانتخابات فى الموعد. وبدون ذلك سيعود الجميع بمن فيهم الليبيون انفسهم الى المربع الاول.. فهل ننقذ ليبيا والليبيين هذه المرة.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: