رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الأهرام» وكرومر (1 ــ 2)

نكبت مصر بالاحتلال البريطانى وصحيفتنا بنت سنوات, فانبرت فى حداثتها الجريئة تقاتل الاستعمار، فتنكر على أية دولة أن تظن نفسها أولى بالحياة الناعمة فتثرى على قوت أمة جائعة. تنكر أن يكون عبء الرجل الأبيض فى بلاد السود والصفر عبء مغانمه الفادحة. وكان مصدر وحيها فى طلب الاستقلال وجوب التحرر أولا من قيود الذات, فأبت إلا أن تقرن جهاد السياسة بجهاد الأخلاق..

هذه الكلمات لعزيز ميرزا الذى تولى رئاسة تحرير الأهرام فى الفترة من 1948 وحتى 1955، خلفا لأنطون الجميل, مقدما ومشخصا رسالة الأهرام فى كتاب جريدة الأهرام, إبراهيم عبده, دار المعارف 1951.

يشهد التاريخ أن جريدة الأهرام الغراء والتى مر على إنشائها 145 سنة فى الخامس من أغسطس الماضي، وقفت لكرومر بالمرصاد ودافعت عن الثوابت المصرية، ناصرة لمصر ومكانتها وجميع قيمها, لدرجة تدعو للفخر والإعجاب الشديد, وتسجل للأهرام دورا تاريخيا لم تحرزه أية صحيفة فى العالم، ولو أن الأهرام لم تفعل شيئا غير مقاومتها لكرومر لكفاها ذلك عند التحدي.. كانت الأهرام وكأنها مسودة أولى لتاريخ الاحتلال البريطانى لمصر عبر سنواته كلها.

بدأت بوادر كفاح جريدة الأهرام للاحتلال فى سنة 1883 وهى السنة التى تولى فيها اللورد كرومر وظيفته والتى استمر فيها مدة 24 سنة، كان خلالها الحاكم المطلق المستبد المنفذ لسياسة الإمبراطورية البريطانية التى اختارته ودعمته فى كل موقف. لم تداهن الأهرام وتنافق مثل الكثير من الصحف التى أنشأها كرومر. بدأت فى نقد مواقف الإنجليز من احتلالهم لمصر, ونقد تصرفات الحكومة المصرية فى المسائل الداخلية، وجعلت رسالتها إيقاظ المصريين الذين أصاب كثيرا منهم الإحباط نتيجة ذلك الاحتلال. لتكون صحيفة رأى كما وصفها إبراهيم عبده، لا تعنى إلا بالرأى العام وإرضائه والعمل على تصويره شيئا يحسب حسابه فى حياة الشعوب حتى إنها ما بدأت مقالا أو ختمت حديثا إلا وذكرت الرأى العام الذى تضع بين يديه مواقفها ليحكم عليها أو لها. عمد الاحتلال الإنجليزى منذ اليوم الأول له الى استخدام مختلف الجنسيات لإصدار الصحف العربية فى مصر، وبالتالى أصبحت الصحافة فى مصر صناعة أجنبية. كانت الصحف تفخر بانتمائها الى الدول الأجنبية ، وأصبح ثابتا فى الأذهان أن الجريدة السياسية بمصر لا تفلح إلا إذا انتمت الى دولة من الدول.

كانت الأهرام مختلفة ومقاومة للاحتلال الإنجليزي. كتبت فى 14 يناير 1884، ناقدة زيادة عدد قوات الجيش البريطانى فى مصر: لأن الأمن سائد فى جميع أنحاء البلاد وليس ما يخشى منه الاحتلال بالراحة العمومية. وإنا لفى يقين من أن عقلاء البلاد عارفون صعوبة المركز الحالى، وأن السكينة والمواظبة على حفظ الأمن من أخص واجباتنا. على النقيض كانت هناك صحيفة المقطم داعمة ومدافعة عن الاحتلال وتتلقى جراء ذلك دعما ماديا كبيرا. كتبت ناقدة للأهرام فى 20 أبريل 1889, واصفة الأهرام انها تقوم بالمقاومة سرا وجهرا, وتزعم أنها أخذت تعويضات لا تستحقها وترغم الأهالى على الاشتراك فيها.

يقول سامى عزيز فى كتابه المهم, الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الإنجليزى: يعد عام 1884 بداية تطور مهم فى سياسة فرنسا وتسجل جريدة الأهرام هذا التطور فتتخذ موقف المعارضة من الاحتلال البريطانى تتلمس ما فيه من مواضع للنقد فتكشف الستار عنها كموقف رجال الاحتلال الذين ناصروا وكيل وزارة الداخلية الإنجليزى كليفورد لويد ضد الوزير المصرى محمد ثابت باشا، وأعلنت الأهرام أن رجال الاحتلال هم الذين خلقوا هذه الأزمة، وبناء عليه أصدر مجلس النظار قرارا بتعطيل الأهرام شهرا مستندا فى قراره الى ما صدر فى عدد الأهرام بتاريخ 11 أغسطس 1884 مما يخل بالنظام العمومى".

يفسرسامى عزيز أسباب الإقفال فى كتابه: من تحليل هذا العدد نجد ثلاث مقالات: إحداها توضح سياسة الأهرام منذ نشأتها ودفاعها عن مصر ومعارضتها السياسة الإنجليزية. والمقالة الثانية رسالة من تقلا أرسلها من لندن يهاجم فيها تصرفات كرومر والتنديد بسياسته فى مصر.

كانت الأهرام مصدر إزعاج كبير لكرومر ظل يخفيه عن تكبر منه لمدة عشرين عاما، أزاح الستار عنه فى تقرير لحكومته عام 1905، معبرا عن مقدرة الصحافة على التأثير فى الناس: السواد الأعظم من المصريين من أعظم الناس تصديقا لما يقال.

اعترضت الأهرام على ما فعلته بريطانيا فى الجيش المصرى وإنقاص عدده ووضع مقدراته جميعا فى أيدى الإنجليز مما أدى الى ضعفه. يصف عبد الرحمن الرافعى ذلك الموقف بقوله: لم تعد فى مصر بعد الاحتلال سوى مدرسة حربية واحدة بعد أن كان عدد المدارس قبل الاحتلال أربعا، وصار يؤخذ للمدرسة الحربية فى عهد الاحتلال من راسبى الإبتدائية, واقتصر التعليم فى المدرسة على معلومات ضئيلة يقوم بتدريسها معلمون معظمهم من الإنجليز. وبعد أن كانت المواد التى تدرس سابقا 24 مادة انخفض عدد المواد الى ثمانى مواد فقط ليس بينها شىء من المواد الحربية، وبذلك هبط مستوى الضباط فى العلم والكفاية فى عهد الاحتلال.

نتيجة ذلك طالبت الأهرام فى ثلاثة أعداد من أعدادها بتاريخ 7, 11, 22 فبراير 1884، فى أوائل عهد كرومر، بضرورة تقوية الجيش المصرى وحاولت توضيح أهميته وضرورته لإجراء الإصلاح فى البلاد ولخصت الأمر فى أعدادها بتاريخ 1, 16, 23 أبريل 1884، أن الشعب الذى لا يتألف عسكره منه لا تقوم له قائمة, ومن يصدق على هذا يحسب خائنا لوطنه. كانت الأهرام وحيدة فى موقفها هذا ضد الاحتلال وما يهدف إليه، ولم تساندها أى صحيفة أخرى.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: