رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكاية «زرافة»!

«كله غالي»، هذا هو عنوان تحقيق رائع نشرته مجلة «تايم» الأمريكية عن ارتفاع الأسعار، أو «التضخم»، كما يطلق عليه أهل الاقتصاد.

فكرة التحقيق عبارة عن خلاصة تجربة عملية قامت بها ألانا سيمويلز محررة المجلة، حيث طلبت شراء «زرافة لعبة» عبر موقع تسوق عالمى شهير، بدأ نشاطه فى مصر مؤخرا بالمناسبة.

الزرافة عبارة عن دمية كبيرة الحجم، اسمها «جاني»، تصنع فى الصين، تتميز بملمسها الناعم من الخارج، أما من الداخل، فمحشوة بأشياء كثيرة، كالقماش والبلاستيك والورق.

الزرافة كان يتعين عليها قطع مسافة طويلة للغاية من مصنعها فى الصين، إلى مخازن الشركة الأمريكية التى تستوردها بناء على طلبات الزبائن، لتوزعها عليهم بالبريد المستعجل.

الزرافة وصلت للزبون، أو بالأحرى إلى محررة المجلة، فى سان فرانسيسكو غرب الولايات المتحدة 16 يوليو الماضي، ولكن رحلتها كانت قد بدأت منذ العام الماضي، حيث أجرت المحررة تتبعا دقيقا لجميع خطوات زرافتها المحبوبة، فقد تم تصنيع «جاني» فى مصنع بشرق الصين يوم 18 أغسطس 2020، ثم تم نقلها إلى مدينة كينج داو الصينية 7 أكتوبر، ومنها إلى ميناء شنجهاى 9 أكتوبر، وظلت فى الميناء حتى 26 أكتوبر، ثم تم شحنها بحرا إلى أمريكا عبر المحيط الهادي، من الساحل الشرقى للصين إلى الساحل الغربى الأمريكى، لتصل إلى لوس أنجلوس فى 16 نوفمبر، وتبقى هناك حتى 20 ديسمبر، ثم انتقلت شرقا إلى داخل الأراضى الأمريكية عبر أكثر من مخزن وموزع ووكيل، إلى أن بلغت وجهتها النهائية فى سان فرانسيسكو يوم 16 يوليو 2021، بعد أن اجتازت في رحلتها 11 نقطة، صادفت في كل منها أكثر من مشكلة لوجيستية وتجارية، وهو ما جعل سعر «جانى» النهائي يرتفع إلى 116 دولارا للقطعة، بعد أن كان 87 دولارا، رغم أن تكلفة صناعتها نفسها لا تتعدى 23 دولارا، فهى مصنوعة من «كلام فاضى» يكاد يكون أقرب من المخلفات المعاد تدويرها، ولكن حجة «كورونا» اللذيذة مبرر كاف للمصنعين والمصدرين والمستوردين لزيادة سعر أى سلعة!

تحقيق مجلة «تايم» عقد مقارنة بين سعر «جاني» بين يوليو 2019، أى قبل كورونا، ويوليو 2021، فوجد أن السعر ارتفع لعدة أسباب:

فعندما انخفض الدولار، ارتفعت قيمة الواردات، وهذا البند وحده زاد سعر «جانى» 24 دولارا، ومع بدء تفشى كورونا، ارتفعت تكلفة الإمداد والتموين، وهذا البند تكلفته 13 دولارا، ومع ارتفاع رواتب العمالة فى ظل كورونا والإغلاق، زاد السعر ثلاثة دولارات، ومع ارتفاع رسوم شركة توصيل الطلبات وحدها بنسبة 5%، أصبح لدينا بند بقيمة 19 دولارا، ومع اضطراب حركة النقل والتخزين، طلبت الشركات المنتجة أرباحا أكثر لمنتجاتها، فرفعت أسعارها، وهذا البند تكلفته 32 دولارا، أما موقع التسوق، الذى ازدهرت أنشطته بسبب كورونا، فزاد هو الآخر من ربحيته، بنسبة بلغت 15%، وهذا البند قيمته 16 دولارا، أضف إلى ذلك ضريبة المبيعات الأمريكية، وتكلفتها تسعة دولارات، وفى النهاية صار المجموع 116 دولارا.

طبعا، الشيء نفسه يحدث عندنا، مع فارق حساب قيمة الطمع والجشع، و«الفهلوة» المصرية، التى تتخطى حدود الزمان والمكان!

فزجاجة المياه الصغيرة تباع فى كشك «أم محمد» بثلاثة جنيهات، وفى السوبر ماركت المجاور بخمسة، وفى النادى بسبعة، وفى شرم الشيخ بعشرة، وفى الفنادق تصل إلى عشرين وثلاثين جنيها، رغم أنها فى النهاية «شوية مية»!

وكوب عصير البرتقال الذى كنت تتناوله فى كافيه «المول» منذ خمس سنوات بثلاثين جنيها، يباع الآن بتسعين فى الكافيه نفسه، رغم أنه مجرد «قشر برتقان» وملعقة سكر!

فى مصر وحدها، ينخفض الدولار، فترتفع الأسعار، وعندما يرتفع، ترتفع طبعا!

في مصر وحدها، تقام الطرق السريعة، فيرفع التجار أسعار الخضر والفواكه بحجة «النقل»!

في مصر وحدها، تنشأ المزارع السمكية، فترتفع أسعار الأسماك، ونستورد أكثر!

في مصر وحدها، تطرح الدولة لحوما مخفضة، فترتفع أسعار اللحوم عند الجزارين!

فى بلدنا، كل من بيده سلعة أو خدمة، يرفع سعرها على خلق الله، من خدمات الحكومة وكشف الطبيب، إلى أجرة التاكسى، والسايس!

محرم فؤاد كان يغنى يائسا «كله ماشى»، أما الآن، فمجلة «تايم» تغنى «كله غالى»، ولست أعرف ماذا علينا نحن أن نغنى الآن!

عالميا، الزرافة المحشوة بـ«الزبالة»، زاد سعرها لأسباب سوق منطقية، وفى مصر، تتحالف الأسباب السوقية والمنطقية واللامنطقية و«المهلبية» ضد المستهلك، وضد أي إجراء إيجابي تتخذه الدولة، لتحيل حياتنا إلى قصة فقر وإفلاس كبيرة، لدرجة صار معها اتخاذ قرار بشراء أى سلعة مخاطرة كبيرة، والتفكير، مجرد التفكير، في الخروج من المنزل، جنون!

وحكاية «الزرافة»، مع غرائب الأسعار المصرية، تؤكد لنا أن الجلوس في المنزل أيضا ليس حلا!.


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: