نقرأ لنعرف ونتعلم. ولهذا يعنينا محتوى الكتابة فى المجالات التى يفضلها كل منا، أو يرغب فى توسيع معارفه فيها. ولكننا نقرأ أيضًا لنستمتع بأسلوب الكتابة حين يكون جميلا، أو عندما تنساب المعانى عميقة بسلاسة وبساطة. ومن أكثر أساليب الكتابة جذبًا النقد الساخر اللطيف الذى يتسم بالرشاقة، وينأى عن الغلاظة، فيُصيب الهدف دون أن يؤذى أو يجرح.
وكان الراحل الكبير فكرى أباظة، الذى نذكره اليوم بمناسبة مرور قرن وربع القرن على ولادته، أحد أبرز من يُقرأ لهم للاستمتاع بأسلوبهم عمومًا، وبكتابتهم الساخرة على وجه الخصوص. وعندما نتأمل كتابته نخالها فنًا. ولم أجد تعبيرًا عن هذا الفن فى كتابته أروع مما ورد فى تحية وجهتها إليه الراحلة الكبيرة أيضًا مى زيادة فى ديسمبر 1923 حين كان يتأهل للانتقال من صحيفة الأهرام التى جمعتهما إلى مجلة المصور: (إنك لتكتب بفن رقيق نقاد يتذرع بالضحك الموقوت ليهيئ ما يريده من استنهاض واحتجاج .. وظُرفك المصرى الحلو، الذى قد كان يتوسع فيه غيرك فينقلب تطاولا أو تبذُلا، تُحكم أنت ضبطه وصقله فيأتى على هذه الصورة الرشيقة 00). وكم كانت دقيقة0 فنادرة مثل كتابته الساخرة التى يمكن تسميتها سُخرية مُهذبة.
وإلى جانب استعداده للانتقال إلى المصور، كان أباظة بدأ حملته لانتخابات أول مجلس نواب فى ظل دستور 1923 عن الحزب الوطنى.
وكان أصغر عضو فى المجلس الذى صال فيه وجال، مثلما فعل فى غير قليل من مرافعاته أمام المحاكم، إذ جمع بين مهنتى المحاماة والصحافة وأجاد فيهما. ولكنه انحاز للصحافة فى مطلع الأربعينيات، وترك المحاماة عقب تأسيس نقابة الصحفيين التى كان ثالث نقبائها.
وأثارت بعض مقالاته الصحفية جدلا، خاصة المقال الذى نشره عام 1961 فى مجلة المصور عن دمج اليهود فى اتحاد عربى كبير. فقد أُسىء فهمه فى حينه لبعض الوقت، وكثر تحريفه بعد ذلك لأن معظم من كتبوا عنه لم يقرأوه، بل نقلوا من بعضهم. ولهذا نبقى معه فى الغد.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: