كان الصديق محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب الاسبق يردد لى دوما ـ كلما التقينا فى القاهرة او خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب او مع نظرائهم الأوروبيين فى عواصم عديدة أو لقاءات القمم العربية الدورية٠حيث كانت بيننا صداقة الصحفى المتحفز للخبر والانفراد ومعلومات الكواليس والغرف المغلقة والملح بعنفوان وفورة السبق والحوار الصحفى كل مرة. وهو ذلك السياسى العربى الهادى المخضرم الذى يحب الإطلالة على الساحة العربية سياسيا وصحفيا رافضا فكرة الانكفاء الذى تعانيه كل دول المغرب العربى وساستها. حيث كان دوما يقول ـ ياعزيزى هل تعلم ان كل الازمات والخلافات بيننا كعرب يمكن ان تنتهى فى اسبوع والصراعات العربية مع دول الاقليم المتحفزة للصدام تزول فى ثلاثة اسابيع. فكنت أقفز بالسؤال.. وما الذى يمنع حدوث ذلك؟ فيرد مبتسما بهدوء قاتل انها غياب الإرادة السياسية بيننا كعرب وفقدان الثقة والعناد مع وبين القوى الكبرى فى الاقليم.
وأتذكر ونحن فى اجتماعات القمة الاسلامية بالدوحة عام 2000 ان خرج فجأة من القاعة واتجه نحوى وانا جالس مع عدد من الصحفيين ننتظر نهاية إحدى الجلسات المغلقة وهو يبحث عن سيجارة والذهاب للجلوس بعيدا عن الضوضاء وزحام الوفود. وبادرنى بالقول كل تلك النقاشات الحامية فى القاعة وفى الإقليم خلافات لصراعات غير ضرورية الآن، وان البعض فى علاقتهم المتوترة حاليا فى حالة «فراق لاطلاق». فبادرته بالسؤال حتى علاقتكم فى المغرب مع الجزائر المقطوعة منذ عام ١٩٩٤ والمتأزمة منذ عام ١٩٧٥. فرد بإيجاز هى كذلك فراق ولن نصل الى الطلاق وكذلك بيننا كدول الاقليم، حيث الجميع جيران لايمكن لأحدهم التخلص أو شطب الاخر. والآن وبعد اكثر من عشرين عاما اجد المنطقة والشرق الاوسط كله يتغير، ربما يكون لهذا التغير اسبابه الجوهرية والملحة التى فرضتها ظروف ومعطيات الوضع الراهن. عندما جاءت وقررت إدارة الرئيس الامريكى بايدن منذ اللحظة الاولى الانسحاب التدريجى من الشرق الاوسط والتخلى عن القيام بدور شرطى المنطقة والعالم. اتبعت ذلك بالقرار الكارثة فى الاسابيع الماضية بالانسحاب العشوائى المتخبط من افغانستان. وبالتالى كان هذا الأمر فى مجمله منذ وصول بايدن وحتى لحظة الانسحاب المهينة هو احد الاسباب الرئيسية التى عجلت بإمكانية الحوار بين دول الاضداد فى الاقليم. ربما يكون الجانب العربى هو أكثر الرابحين من تلك الاجواء والمتغيرات الجديدة، حيث حدثت وثبة فى العلاقات العربية تأخرت لأكثر من عقدين وبلغت ذروتها من السوء اثناء ايام وفصول احداث الربيع العربى عام ٢٠١١ حيث الجميع كان خاسرا. ولكن مع بداية هذا العام كانت بداية الانفراجة الحقيقية لقطار المصالحات العربية، حيث كانت قمة «العلا» بالمملكة العربية السعودية والتى وضعت الأسس والآليات حيث تم تصحيح المسار بالكامل ولاول مرة منذ عشرين عاما تستقيم العلاقات المصرية – القطرية. وكذلك السعودية - القطرية وترجمت بحوار هادئ بين الاخيرة ودولة الامارات العربية فى الاسبوعين الماضيين. وكذلك الحال الذى انعكس على تطورات الاهتمام وعودة الوعى العربى بأهمية الوضع والشأن الفلسطينى وماحدث من اهتمام مصرى وأردنى وعربى واخرها القمة الثلاثية المصرية - الأردنية – الفلسطينية. وربما قادم الايام لابد ان يحمل معطيات جديدة للعودة المرتقبة للعلاقات العربية - السورية حيث الاتصالات خلف الكواليس ورغبة الجزائر فى تصحيح الوضع العربى وتأهيله قبل القمة العربية ببلادها فى نهاية مارس المقبل سينعكس ايجابا، وتعود سوريا قبل تلك القمة لعضويتها بالجامعة العربية. وهو ماسينسحب بالطبع على القطيعة الاخيرة فى العلاقات الجزائرية - المغربية حيث الوسطاء العرب كثر الآن وهناك محاولات عديدة تجرى عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية. وبالتالى كان لابد ان يكون لتلك المتغيرات العربية- الاقليمية دورها نحو الاندفاعة المتدرجة للبحث فى تصحيح مسارات العلاقات العربية مع دول الاقليم وخاصة تركيا وايران. حيث هناك حديث وحوار مصرى ــ تركى ربما ينجح وتعود العلاقات والسفراء قبل نهاية العام اذا استجابت انقرة للمطالب المصرية، وشعرت وارتاحت الاخيرة بالرضا للمسلك التركي. وهو نفس الأمر الذى يحدث لمسار العلاقات السعودية - الاماراتية كل على حدة مع تركيا حيث التوجهات حاضرة والنوايا قائمة لتصحيح مسار تلك العلاقات وان كانت ومازالت الكرة فى الملعب التركى الآن. ناهيك عن الأجواء والمناخات التى أتاحتها قمة بغداد الاخيرة لفرص الحوار الاقليمي. إلا ان الأزمة العويصة التى مازالت قائمة وربما تحتاج لأوقات أكثر من الجهد والحركية هى العلاقات العربية خاصة الدول الكبرى التى تعرف بدول الاعتدال العربى مع إيران، صحيح ان هناك جولات حوار سعودي- ايرانى فى بغداد على مراحل ورغبة ايرانية لوقف التصدع فى العلاقات مع مصر والبحرين. إلا ان هذا الأمر يتوقف على طبيعة الحراك الإيرانى القادم وتغيير سياستها فى المنطقة العربية مع تولى الرئيس الجديد ابراهيم رئيسى مقاليد الأمور فى طهران. حيث إن تلك المصالحات من شأنها تعزيز التوافق الاستراتيجى بين دول الإقليم ووقف السباق والتنافس على السيادة والزعامة فى قيادة الإقليم. وإطلاق فرص التعاون السياسى والامنى لإطفاء الحرائق فى بعض دول المنطقة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والانمائية لدول الاقليم. باليقين قطار المصالحات العربية - الاقليمية انطلق وربما قد يصل الى بعض محطاته مع نهاية هذا العام. لكن محطته الاخيرة فى ايران ربما قد تتأخر بعض الوقت حيث تظل هذه هى الحلقة الاصعب وربما تكون هى الإخفاق الوحيد وتأخر الوصول الى النجاح المرتقب لقطار تلك المصالحات الاقليمية. فهل تتغير ايران والمنطقة سريعا لتحدث نبوءة محمد بن عيسى بامكانية التلاقى وتحقيق فرص المصالحات تلك فى اسابيع وان ماكان فراق لاطلاق.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: