أنا زوجة وأم، ومشكلتى أننى لا أجد من أفضفض له بما فى صدرى، وأتكلم مع نفسى طول الوقت فيما أعانيه، وليست لى صداقات بمعنى الكلمة، فأغلب من أعرفهن زميلات فى العمل، وتربطنى بهن عشرة طيبة لا أكثر، ومشكلتى التى لا أجد لها حلا هى زوجى الطيب والمحترم والمخلص الذى قبلت الزواج منه لصفاته الحسنة التى بدت عليه منذ أن عرفته فى محيط الأسرة، وأتذكر أننى فى لقائنا الأول تحدثت معه على طبيعتى، إذ لا أميل للمجاملات، وأتصف بالوضوح، وتكلمت معه عن عملى وطموحى العلمى، واستمساكى بهما، وأكد لى هو الآخر أننى سأكون حافزا له لتطوير نفسه علميا وعمليا، وتزوجنا سريعا بالرغم من أن الإمكانيات المادية لم تكن جيدة، وعزمت على تكوين أسرة ناجحة، ولأنى لا تشغلنى المظاهر البراقة، فقد استأجرنا بيتا، وتزوجنا فيه، ولكنى لاحظت منذ اليوم الأول عكس ما توقعته، فهو لا يهتم بالتفاصيل، مثل المظهر العام، فلا أهمية لديه لحفل زفاف تتم دعوتنا إليه، ولا يفكر فى شراء بدلة جديدة، حتى السفر بعد الزواج، ولو لمدة يومين لم يطرأ له على بال، كما أنه لا يرتدى ألوانا متناسقة، ومهمل فى نظافته، ولا يفكر فى المستقبل، وامتد إهماله إلى عمله الذى كان إحدى مميزاته، إذ استقال منه دون أن تكون لديه وظيفة أخرى، ولم يخبرنى بذلك، ولم يفكر أبدا فى الحوار معى حول أى أمر من الأمور، وقررت ألا أكون سلبية معه، فشجعته على الاهتمام بنفسه، ورتبت احتفالا فى كل مناسبة، ومنها عيد الحب وعيد ميلاده، وتصورت أن سيكرر صنيعى معه، فيهتم بى، لكنه على مدى سبعة عشر عاما لم يذكر يوم ميلادى، ولا أى مناسبة أخرى.
ولقد حرصت على ألا أفقد عملى، وأنا حامل لأنه كان مصدر الدخل الوحيد لنا لفترة طويلة، وهو فى واد آخر، ولا يستجيب لأى كلام، وكم عشنا من شجارات، وكنت أغضب لدى أهلى، ويتولون هم رعاية أبنائى، ومع إلحاحه علىّ للعودة، يتكرر السيناريو نفسه.. ومرت الأيام وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وكأنى تزوجته من أجل إنجابهم، فهم «الشىء الوحيد» الذى يشعرنى بالوجود بالرغم من تحمّلى مسئوليتهم كاملة.
إننا تباعدنا شيئا فشيئا، بعد مولد طفلى الثالث البالغ عمره الآن أحد عشر عاما، ومنذ خمس سنوات أصبحنا متباعدين تماما، برغم وجودنا فى بيت واحد، فلا تعامل بيننا، فبمجرد الحديث فى أبسط الأمور يظهر الاختلاف والخلاف أمام أبنائنا، ولذلك أتجنب الحوار معه.. إنه يعمل الآن فى إحدى الشركات، ولكن فاته الكثير من الترقى فى العمل.. ومازلت غير مرتاحة، وأكتب إليك رسالتى هذه، لأقول لك إننى لا أرغب فى استكمال حياتى بهذه الصورة، وفى الوقت نفسه لا أريد أن يتربى أبنائى بعيدا عن أبيهم الذى يحبهم، ويحبونه، ولا أستطيع أن أتخذ قرارا بالانفصال عنه، وهو يرى أن الحياة بسيطة ولا تحتاج لكل هذا السعى.. فالرضا من وجهة نظره هو التصوف والبعد عن المتع الزائلة ـ على حد تعبيره ـ وأنا أرغب الحياة بكل متعها.
لقد أصبحت الضغوط النفسية علىّ شديدة جدا، خاصة فى هذه المرحلة، فعمرى اثنان وأربعون عاما، وأشعر بالشباب، وهو يشعرنى بالشيخوخة، وإنى أسألك: هل أصبر وأرضى بهذه «العيشة»، أم أشترى نفسى، وأبيع أبنائى، والإنسان الذى اخترته خطأ، وأكون قد فكرت فى نفسى دون النظر إليهم؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لو عرف كل منكما أسس وقواعد العلاقة المثالية بين الزوجين، لتخلصتما من المتاعب البسيطة، ولعرفتما طريقا لعلاج «التفاصيل الصغيرة» فى حياتكما معا، إذ يجب على كل طرف أن يحسن معاشرة الآخر، ويكون له الناصح المخلص، فتجاهل القيم والأخلاق فى العلاقة بين الزوجين هو الذى يؤدى إلى الخلافات، وحدوث مشكلات وأزمات قد تفسد علاقتهما وتعجّل بإنهائها، كما أن أسلوب التعامل قد يكون هو المشكلة الأكبر، حيث يلجأ الزوجان إلى حسم خلافاتهما بالشكل الذى يرضى كلا منهما دون مراعاة لمشاعر شريك الحياة، وهنا يحدث الصدام وتتعقد المشكلات وتنتهى بالطلاق، وهو النهاية غير المرغوب فيها بعد أن تفشل جميع محاولات وجهود التوفيق.
والحقيقة أن التوعية الدينية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا فى توجيه كليهما إلى الوفاء بواجباته الزوجية، ومن هنا يتم احتواء كثير من الأزمات قبل أن تتفاقم، لأن معظمها تنشأ من الإهمال المتبادل للواجبات الزوجية، حيث ينشغل كل واحد بحقوقه، ويهمل واجباته، والإسلام عنى بحقوق كل منهما فجعل للرجل حقوقا، وعليه واجبات، وجعل للمرأة حقوقا وعليها واجبات، وعندما يؤدى كل طرف واجباته سيحصل حتما على حقوقه، لكن المشكلة تكمن فى المطالبة بالحقوق فقط، كما يجب أن تكون الخلافات فى إطار حياة المودة والرحمة، فيتم حلها بهدوء، ودون إهانة طرف للآخر، أو توجيه إساءة إليه، ولو أدرك كل من الزوجين ذلك لما عرفت الخلافات المدمرة طريقها إلى حياتهما، وانتهى كل خلاف يطرأ فى حياتهما فى وقته دون أن يشعر به أحد من المحيطين بهما.
إن الخلافات الزوجية تحتاج إلى عقل وحكمة للتعامل معها، لأن العناد من أحد الزوجين أو كليهما يضاعفها، وعلينا أن نبصرهما بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يلجأ إلى الطلاق دون حاجة أو ضرورة سواء كان رجلا أو امرأة، فقال: «لعن الله كل ذواق مطلاق»، أى لعن الله كل رجل يتزوج بامرأة ليتمتع بها لفترة من الوقت، ثم يطلقها ليتزوج بامرأة أخرى بقصد اللذة والشهوة، كما يقول صلى الله عليه وسلم محذرا المرأة من التسرع فى طلب الطلاق لأسباب تافهة: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس - أى من غير ضرورة - حرام عليها رائحة الجنة»، ولا شك أنه عندما يدرك الزوجان ذلك تكون نفساهما مهيأتين لتقبل جهود الإصلاح فى هدوء.
من هذا المنطلق أنصحكما بأن يؤدى كل واحد واجباته قبل المطالبة بحقوقه، فعليك أن تترفقى بزوجك، وأن تعالجى التفاصيل الصغيرة بهدوء، وتكون طاعتك له عن رغبة، وليس عن رهبة، فالطاعة فى غير معصية الله من أبرز دلالات حب المرأة لزوجها وحرصها عليه، وهى تفرض على الرجل أن يكون محبا لزوجته حريصا على إرضائها مرتبطا جدا بها، فخلافاتكما صغيرة جدا، ولا تتعارض مع أهدافك وطموحك، وأرجو منه أن يلفت إلى بيته، وأن يدرك أن الحب المتبادل بينكما يقتضى منه الانتباه إلى ما ترينه من أمور، وأنه من الضرورى أن تكون هناك نقطة تلتقيان عندها، وسوف تتحسن الأمور بإذن الله.
رابط دائم: