رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدرس الأفغانى ومستقبل الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة

تثير عملية الخروج الأمريكى من أفغانستان تكهنات عديدة بشأن مستقبل الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة؛ فالانطباعات التى تركها مشهد فوضى الانسحاب، والتداعيات المرتقبة له فى المستقبل، فى ظل تمكن حركة طالبان من الهيمنة على البلاد، غلبت عليها المخاوف من تكرار المشهد ذاته فى مواقع أخري، لاسيما فى العراق وسوريا، حيث سيكرس الانسحاب الأمريكى منهما على الفور تمدد قوى معادية أو منافسة للوجود الأمريكى بشكل عام، وذلك بحكم الانتشار الميدانى لقوى إقليمية مثل إيران وتركيا فى العراق، يضاف إليهما روسيا فى سوريا، ما سيغير من معادلات موازين القوى وبالتبعية سيعيد تشكيل الخريطة السياسية فى تلك الدول.

زاوية مختلفة

فى واقع الأمر، فإنه على الرغم من الانتقادات الحادة التى وجهت لإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن من الداخل والخارج على خلفية ما جرى فى أفغانستان، فإن هذه الإدارة سيحسب لها لاحقاً أنها أعادت القوات من الخارج وأوقفت حالة الاستنزاف المادية والبشرية التى كلفتها أكثر من تريليونى دولار بلا طائل حقيقى على نحو ما كانت تسوق له الحملات الدعائية آنذاك.

ففى أفغانستان وحدها، تجاوز حجم التشغيل العسكرى خلال فترة الحرب ما بين عام 2001 وحتى إطلاق مباحثات الانسحاب العسكرى فى الدوحة عام 2019 أكثر من 885 مليار دولار، فيما تكلفت باقى دول التحالف ما يعادل ثلث هذا المبلغ تقريبا بحدود تقريبية تصل إلى 260 مليار دولار، وبمعدل إنفاق يومى للتشغيل بلغ ما يقارب 300 مليون دولار، فى حين بلغ حجم الإنفاق العسكرى بشكل عام فى أفغانستان فقط قرابة 2.26 تريليون دولار، وفقا لإحصاء مشروع تكاليف الحرب فى جامعة براون الأمريكية، بالإضافة إلى الكلفة البشرية الهائلة، حيث قتل 2500 جندي، وما يقارب 4000 متعاقد مدنى أمريكي، فضلا عن ما يقارب 20 ألف مصاب يتكلف برنامج رعايتهم وتأهيلهم نحو 300 مليار دولار تقريباً.

على الجانب الآخر، فإن هناك إشارات أمريكية مختلفة بالنسبة لحسابات واشنطن العسكرية فى الخليج ودول الصراعات العربية كسوريا وليبيا، حيث تتعاطى بمنظور خطة إعادة الانتشار وليس الانسحاب، على نحو ما ورد فى مخرجات الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجى الأمريكي– العراقي، التى تضمنت إنهاء وجود القوات القتالية، والتى تم نقلها إلى الكويت، مع الإبقاء على قوة للتدريب، بالإضافة إلى تعزيز وضع القواعد العسكرية فى سوريا فى مناطق شرق الفرات باتجاه شمال البلاد.

إشكاليات قائمة

لكن هذه الإشارات والتحركات لا تشكل ضمانات كافية لما سيجرى فى المستقبل إذا ما وضعنا فى الاعتبار الموقف الأمريكي، على سبيل المثال، من الحرب فى اليمن، حيث تم خفض مستوى التعاون العسكرى مع دول التحالف، ورفع الحركة الحوثية المتمردة على الحكومة الشرعية من قائمة الإرهاب، وهو ما أعطى هامش حركة أوسع للأخيرة، بشكل يثير شكوكا بشأن الاعتراف بالحوثيين كسلطة أمر واقع فى المستقبل.

كذلك فى العراق، لا يمكن القول إن الاقتصار على عملية التدريب قد يفرض نتائج فارقة عن التدريبات التى أجريت فى أفغانستان. إذ كانت إيران تسعى بشكل مستدام لتعزيز قدرات وكلائها هناك، مع الوضع فى الاعتبار أيضاً أن عملية الانتقال السياسى فى العراق توشك على نهايتها، وهناك مخاوف من النتائج المحتملة بشأنها والتى يتوقع معها زيادة حصة القوى الموالية لإيران فى السلطة. فحتى بحسابات المحاصصة، فإن المكون الولائى لديه فرص أكبر من المكونات الوطنية على الخريطة السياسية الشيعية. فضلاً عن أن حسابات واشنطن العسكرية فى سوريا تضع حسابات الأمن الإسرائيلى كأولوية، وفى حال التوصل لتسوية مع إيران ربما ستختلف التوجهات.

كذلك، فإن واحدة من الإشكاليات التى تثيرها الحسابات المتشابكة ما بين الانسحاب وإعادة الانتشار ــ حيث يبدو لكثير من المراقبين أن عملية إعادة الانتشار هى فى الأخير تكتيكات لعملية انسحاب تدريجى على المدى المتوسط ــ تكمن فى غياب الحوار الاستراتيجى بشأن ترتيبات الأمن الإقليمى فى المنطقة. فالحوار الأمريكى ــ العراقى يجرى على المستوى الثنائى لاعتبارات مبررة منها منطق السيادة، ولدوافع سياسية ودبلوماسية تتعلق بطبيعة العلاقات المشتركة، إلا أن تداعيات القضايا التى يتم تناولها على جدول الأعمال تؤثر على المنطقة بأسرها، ما قد يتطلب حواراً على مستوى أوسع فيما يخص القضايا المتشابكة مع دول الجوار على الأقل.

كذلك على المستوى الإقليمى، لا يزال هذا الحوار غير منتج؛ فعلى سبيل المثال، استضافت العراق جولات بين السعودية وإيران لم تسفر عن نتائج ملموسة. وفى هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الملتقى الإقليمى الذى ستستضيفه العراق نهاية الشهر الحالى، الذى قد يشكل فرصة لتغيير هذا الواقع، ربما يتعين اقتناصها، حيث قد لا تتكرر، لاسيما فى حال وصول حكومة عراقية أخرى ربما لا يكون لديها التوجهات نفسها التى تسعى إليها حكومة مصطفى الكاظمى والتى تبذل جهوداً حثيثة من أجل تحييد العراق بعيداً عن تصفية الحسابات الخارجية، وإعادتها نسبياً إلى الحاضنة العربية.

وفى الأخير، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد حساباتها ما بين الانسحاب أو إعادة الانتشار بمنطق مصالحها الخاصة بالدرجة الأولى بغض النظر عن حسابات الحلفاء، وربما ستعود مرة أخرى إلى التركيز على تأمين هذه المصالح بطريقة مختلفة عن طريقتها السابقة التى أضرت أحياناً بمصالحها وبمصالح حلفائها بالنظر إلى النتائج الراهنة، حيث أقرت الإدارة الأمريكية بأن التدخل فى شئون الدول فى المنطقة أفشل بعضها وأضعف البعض الآخر، وهو درس مستفاد من التجربة الأفغانية، فـ«الجيوش المصنوعة» انهارت فى أول اختبار، والنظم التى جاءت بها فرت قبل أن تكمل واشنطن مغادرتها. وإذا كان هذا السياق قد جرى فى إطار عملية الانسحاب، فلا شك أنه لن يختلف كثيراً فى حالة إعادة الانتشار.


لمزيد من مقالات أحمد عليبة

رابط دائم: