رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى دلالات وتداعيات الانسحاب الأمريكى من أفغانستان

ليلة سقوط كابول فى ساعات وليس شهور كما كانت تتوقع الاستخبارات الأمريكية, تحمل معها العديد من الدلالات والتداعيات وراء الانسحاب الأمريكى وسيطرة طالبان على أفغانستان، سواء على الداخل الأفغانى أو التداعيات الإقليمية. فرغم أن إدارة بايدن كانت تنفذ قرار إدارة ترامب بالانسحاب من أفغانستان والذى جرى توقيعه فى فبراير 2020 وأطالت من أجله من مايو الماضى إلى نهاية أغسطس الحالى، إلا أن الطريقة التى تم بها الانسحاب عكست فشلا ذريعا وأدى لتداعيات خطيرة، سواء على المستوى السياسى او الإستراتيجى أو الإنساني.

فعلى المستوى السياسى: استهدف ترامب من وراء الاتفاق مع طالبان ألا تكون أفغانستان منطلقا ومصدرا للإرهاب أو تهديد الولايات المتحدة ومصالحها مقابل الانسحاب, كذلك استهدفت محادثات الدوحة تشكيل حكومة أفغانية تضم كافة الأطياف بما فيها طالبان وذلك من خلال دعم الحوار بين الحكومة الأفغانية وطالبان، لكن الانسحاب الأمريكى المتسرع ودون ترتيب الأوضاع السياسية الأفغانية أدى لتسليم أفغانستان بشكل كامل لطالبان وفرض سيطرتها عليها. ورغم أن الحركة أبدت بعض المرونة والانفتاح فى تشكيل حكومة واسعة تضم عناصر أخرى، سواء من النظام السابق أو من الأعراق المختلفة والقبائل إلا أنها مجرد ديكور شكلى أمام الداخل والخارج, بينما ستكون لها الكلمة العليا وتهميش الأطراف الأفغانية الأخرى فى ظل إعلان طالبان إقامة إمارة إسلامية, من خلال مجلس حكم وزعيم أعلى هو هيبة الله اخوند زاده رئيس الحركة، مما يعنى دخول أفغانستان فى دوامة من الصراع والتناحر بدأت إرهاصاته فى اندلاع انتفاضة شعبية فى شمال أفغانستان يقودها أحمد مسعود الابن وعناصر من الجيش الأفغانى ضد طالبان. كما أن إعلان إدارة بايدن بأنها لم تأت لإقامة ديمقراطية أو بناء أمة أفغانية هو تراجع عن الوعود الأمريكية السابقة وراء غزو أفغانستان, وفشلها فى تحقيق ذلك رغم أنها أنفقت تريليون دولار, كما أنه يؤكد أن الديمقرطية والإصلاح السياسى والحريات وحقوق الإنسان ليست من أهداف الإدارة الأمريكية وإنما توظفها فقط لأغراض سياسية ولتبرير تدخلها فى شئون الدول الأخرى وهو ما سبب صدمة للأفغان وللمراهنين على دعم أمريكا للديمقراطية، خاصة أن الانسحاب الأمريكى بهذه الطريقة سيؤدى لضياع مكتسبات الأفغان خلال العقدين الماضيين على مستوى الحقوق والحريات والمجتمع المدنى، فى ظل حكم طالبان.

وعلى المستوى الأمنى: لا يمكن قبول تبرير إدارة بايدن بأنها فوجئت بالانهيار السريع لكابول وأفغانستان بشكل عام فى يد طالبان وأنها فوجئت بانهيار الجيش الأفغانى الذى أنفقت عليه تسعين مليار دولار وتسليحه بأحدث الأسلحة، وعدم قدرته على مقاومة أو صد تقدم طالبان، خاصة أن العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين والغربيين فى كابول توقعوا سيناريو سقوط كابول سريعا وبعثوا برسائل تحذير للإدارة الأمريكية، وهو ما يعكس فشل الاستخبارات الأمريكية، بل يمكن القول صراحة إن إدارة بايدن تجاهلت مثل تلك التحذيرات وإنها كانت تعرف جيدا سيناريو سقوط كابول، وإن ما جرى هو نتيجة تفاهمات أمريكية مع طالبان فى الدوحة تقوم على السماح لطالبان بالسيطرة على أفغانستان مقابل ضمانات حقيقية من الحركة بعدم استهداف المصالح الأمريكية وألا تكون أفغانستان مصدرا لتهديد الولايات المتحدة، وذلك دون النظر لأية اعتبارات أو تداعيات أخري.

وعلى المستوى الإستراتيجى: فإن الانسحاب الأمريكى غير المدروس وغير المدرك للعواقب أعطى رسائل سلبية لحلفاء أمريكا بأن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الوثوق به وأنه يمكن أن يتخلى عن حلفائه مقابل مصالح أمريكية ضيقة. كما أن الانسحاب الأمريكى سيؤدى لتحول أفغانستان لبؤرة لتفريغ الإرهاب ونشاط التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش التى بدأت تنشط فى ولاية خراسان, ورغم أن طالبان تعهدت بألا تكون أفغانستان مصدرا لتهديد الآخرين، فإنها مجرد أقوال تستهدف بها حشد الدعم الاقتصادى الخارجى وكسب الاعتراف الدولى بها. إضافة إلى أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان سيترك فراغا إستراتيجيا كبيرا ستسعى دول مناوئة للولايات المتحدة مثل روسيا والصين وإيران لملئه، حيث أبدت هذه الدول خطابا تقاربيا مع طالبان, وهو ما يجعل أفغانستان ساحة رئيسية للاستقطاب والصراع الإستراتيجى الإقليمى والدولى وهو ما يفاقم من معاناة الشعب الأفغانى من ناحية ويجعل أفغانستان مصدرا لعدم الاستقرار الإقليمى من ناحية أخري. وعلى المستوى الإنسانى: كان يمكن لإدارة بايدن إجلاء المواطنين الأمريكيين والأفغان قبل عملية الانسحاب وسقوط كابول وليس بعدها, وهو ما أدى لحالة من الفوضى فى مطار كابول وتدافع الأفغان للهروب من حكم طالبان فى مشاهد مروعة أفزعت العالم كله، كما أن الانسحاب الأمريكى غير المدروس سيفاقم من الأزمة الإنسانية فى البلاد فى ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وحذر العالم وترقبه فى التعامل مع طالبان ومراقبة سلوكياتها وسياساتها. الانسحاب الأمريكى من أفغانستان بهذه الطريقة غير المدروسة والتى أدت لابتلاع طالبان لأفغانستان، شكل خطأ استراتيجيا أمريكا كبيرا لإدارة بايدن سيكون له العديد من التداعيات السلبية على مصالح الولايات المتحدة، بل قد يدفع ثمنه الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطى، خاصة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس العام القادم.


لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: