أنا رمسيس الثالث أنا حفيد المعظم ثلاث مرات رمسيس الثانى، أنا ابن مصر البار، وواحد من أشرس مقاتليها، أنا ملك الأرض المحروسة بأمر السماء وعظيمها الإله الأوحد». هذا هو أحد أعظم ملوك مصر وعنده بدأت الأسرة العشرين التى حكمت ما يقرب من قرن من الزمان. ولعل رمسيس الثالث هو آخر الفراعنة العظام فى الحروب، فقد واجه ثورات أمراء الشام. وفى السنة الرابعة من حكمه كانت هناك هجرة دائمة من قبائل تسكن الغرب الليبى واستوطنوا فى غرب الدلتا فحاربهم وأسر منهم الكثير. ثم واجه قراصنة البحر المتوسط الذين هدموا مملكة الحيثيين ومملكة اليونان واتحدوا مع بعض القبائل الليبية فى الهجوم على مصر بأعداد ضخمة. وفى السنة الثامنة من حكمه فى أول معركة حربية فى البحر المتوسط استخدموا فيها لأول مرة الضفادع البشرية وقوات خفيفة الحركة سريعة المناورة حسب تعبير رمسيس الثالث نفسه فى وصف الانتصار العظيم ويقول: فى عهدى تجددت أخطار شعوب البحر المتوسط على بلادى، وشعوب بربرية لا أصل لها ولا تعيش فى حضارة تهجم كالجراد على الممالك والمدن، وهددت بلادى مصر، وتجددت معه أخطار الاحتلال كاحتلال القبائل البدوية الرعوية الهكسوس.ولدينا أكبر بردية فى التاريخ تصف كل تنظيمات الدولة تبلغ طولها أربعين متراً تحتوى على مائة وتسعة عشر نهراً موجودة فى المتحف البريطانى تسمى بردية هاريس. وتحتوى على تفاصيل كثيرة من حياة رمسيس الثالث وأعماله وانتصاراته وما قام به من بناء معابد، فقد بنى معبداً صغيراً لأمون فى الكرنك، ومعابد كثيرة فى كل القطر المصرى والنوبة. فقد ذكر شخصاً يدعى أمون ــ مس كان مدير أعمال معابد الآلهة إنه كان قد بنى تسعة عشر معبداً. وأقام سبع مسلات ضخمة اثنتان منها أقامهما أمام البوابة السابعة الجنوبية للكرنك، وإحداهن المسلة التى نقلها الإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول (390م) إلى القسطنطينية. كما بنى المعبد الجنائزى فى مدينة هابو ويعد من أهم إنجازاته المعمارية. وتقع «هابو» جنوب طيبة على الصفة الغربية للنيل، وكان لها قدسية خاصة. وتبلغ مساحته 320 متراً طولاً و200 متر عرضاً، وهو المعبد الوحيد المحصن ويسمى المتحد مع الأبدية، وشُيد على مرحلتين الأولى المعبد وملحقاته داخل سور مستطيل، والثانية السور الخارجى وبوابتين كبيرتين محصنتين، وبجانب السور منازل الكهنة وخدام المعبد.
وبالمعبد قدس الأقداس وصالات الأساطين الثلاثة، وقد نقش فيه رمسيس الثالث انتصاراته فى مختلف حروبه. وكتب يقول: أنا رمسيس الثالث دافعت عن حدود مصر. لقد طردت من جاء من بلاده غازياً، وقتلت المعتدين من شعوب البحر الطامعة. لقد دمرت قواتهم وجئت بهم أسرى إلى مصر؛ أسرى بعدد حبات الرمال. بعدها تجددت أخطار الاتجاه الاستراتيجى الغربى من شعوب بربرية، فقمت وسحقتهم تحت عجلاتى ودافعت عن أمتى، ولم أكن أبداً غازياً أو جباراً... كنت مجرد مقاتل وفى لأرض الإله. ويقال إن اسم هابو أطلق على هذه المنطقة لسكنى راهب مسيحى اشتهر هناك وكان يدعى هابو.
وتحكى بردية تورين القضائية على ما يسمى فى التاريخ مؤامرة الحريم نظراً لأنها قد اشترك فيها كثير من حريم القصر وبعض سقاة الملك وحرسه الخاص وبعض الخدم. والتى صنعت المؤامرة زوجة رمسيس الثالث تى بعد أن علمت أنه وضع ابنه رمسيس الرابع ولياً للعرش وكانت تريد أن تضع ابنها بنتاورت على العرش مكانه فخططت لاغتيال الملك. واستقطبت ستا من زوجات رجال الحرس الخاص واستخدمت السحر، وقد جُرح الملك فعلاً، ولكنه اكتشف المؤامرة وقد قدمهم جميعاً إلى المحاكمة العادلة. وكتب لهم مرسوما ملكيا قال فيه: آمر القضاة اذهبوا وافحصوا الأمر فإذا تحققتم وتبينتم المتهمين فأمروهم أن ينتحروا بأيديهم دون إخطارى. ووقعوا العقاب على كل من يستحق ولكن احترسوا من عقاب البريء، أنا أمين ومحروس إلى الأبد لأنى ضمن الملوك العادلين أمام أمون رع وأمام أوزوريس حاكم الأبدية.ولكن بعد هذه المؤامرة مات رمسيس الثالث غالباً متأثراً بجراحه بسكين فى خلف رقبته، وهو فى سن الخامسة والستين. وهذا بعد احتفاله بمرور 32 عاماً على جلوسه على العرش بعشرين يوماً وقبل أن يُحكم على كل من اشترك فى المؤامرة. وقد حكم أربعة عشر قاضياً على بنتاورت بالشنق. وقد وجدت مومياء له وكان فى الخامسة والعشرين من عمره. ووجدت فم المومياء مفتوحاً وملامح وجهه يبدو عليه الخوف والهلع ووجدت آثار حبل الشنق على حنجرته. وتسمى مومياء الرجل الصارخ. وحُكم على باقى المشتركين بالموت؛ والبعض بقطع الأنف؛ والبعض بالسجن؛ وبراءة البعض.
وفى آخر عصر رمسيس الثالث ازداد نفوذ الكهنة وأمراء الأقاليم وزادت ثرواتهم على حساب الشعب. وحاول أحد أمراء أتريب الانقلاب عليه ولكنه فشل. ومن أخطاء رمسيس الثالث أنه أدخل المرتزقة الذين أسرهم من مختلف الجنسيات إلى الجيش المصرى مما سيعرض البلاد إلى الخيانة فيما بعد.وكتب هذا الملك العظيم وقال: أنا أراقب فى صمت لكن عقابى قادم لا محالة، من يرعى الشر لابد أن يكتوى بالشر، من يهبط أرضى عليه أن يطبق شريعتى وقانونى، ومن خالف نواميسى فلابد من عقاب. شريعتى شريعة الواحد الأحد فى السماء. ساكن القلعة القديمة فى المدينة الساحلية ينظر كل يوم إلى البحر وينتظر بدء الطوفان حتى يعلمكم كيف يكون الطوفان، الليلة الظلماء ستكون لكم وليست لنا. وهكذا كانت ولم تزل مصر أم الدنيا.
لمزيد من مقالات القمص . أنجيلوس جرجس رابط دائم: