إذا سقط جيشك فلا تلومن إلا نفسك.
هذا هو الدرس الأول الذى يجب أن نخرج به مما حدث فى أفغانستان.
مشهد آلاف الأفغان وهم «يتشعبطون» فى طائرة القوات الأمريكية فى مطار كابول، يستحق أن يكون «مشهد القرن»، أو «فضيحة القرن»، على غرار «صفقة القرن» و«نادى القرن»، فقد كان من الممكن أن «نتشعلق» مثلهم فى أى طائرة أو قارب أو حتى «عجلة» تنقلنا إلى مكان آخر، إذا كانت الدولة قد سقطت، لا قدر الله.
ما حدث فى أفغانستان ليس هزيمة لأمريكا كما يتخيل البعض، فطالبان «أخت» القاعدة، والقاعدة وريثة المجاهدين الأفغان، والمجاهدون الأفغان هم الذين سلحتهم أمريكا بالمال والعتاد والدعم لمواجهة الاتحاد السوفيتى السابق، رحمه الله، ومكتب طالبان الخارجى الوحيد طوال هذه السنوات كان فى الدوحة!
والآن، تتجدد القصة، ويسلم الأمريكان دولة إلى حركة «إرهابية» لتصبح وسيلة لـ«العكننة» على روسيا والصين، خصمى أمريكا اللدودين والوحيدين حاليا، فحكم طالبان فى كابول معناه قطع الجزء البرى الشمالى من «طريق الحرير»، ومعناه أيضا تصدير نموذج الدولة «الطالبانية» التى يهلل لها أنصار الإسلام السياسى فى العالم حاليا إلى آسيا بأكملها، وبخاصة الشيشان وداغستان، وغيرهما فى منطقة جنوب القوقاز التى تقطنها أغلبيات مسلمة، مما سيثير كثيرا من المشكلات لروسيا، بعد ثلاثة عقود من الهدوء والاستقرار، وربما تكون حكومة طالبان عنصرا محفزا أيضا لتصعيد النزعات الانفصالية فى إقليم «شينجيانج» الصينى الذى تقطنه أغلبية مسلمة، والأخطر من هذا وذاك، أن نموذج دولة «الميليشيات» الجديد فى أفغانستان، وطريقة الانتقال «المريب» للسلطة من الأمريكيين إلى حركة لا تعترف بالديمقراطية ولا بالحريات، ولن يقوم اقتصادها إلا على تجارة السلاح والمخدرات، قد يتكرر فى دول أخرى، بالسيناريو نفسه، ونظرا لأن العراق كان الدولة الثانية التى دخلها الأمريكيون بعد أفغانستان فى إطار الحرب المزعومة ضد الإرهاب، فإنه يجب أن نعلنها صراحة أننا نخشى على العراق من المصير نفسه، فقد يتم تسليم الأمور إلى الميليشيات الموالية لإيران لتسيطر على مقاليد الأمور «رسميا»، بمباركة أمريكية، فى صفقة سيكون ضحيتها العراق وشعبه، والمستفيد منها أمريكا وإيران وإسرائيل وتركيا.
ولا داعى لأن يستغرب أحد من هذا السيناريو، أو يندهش منه، لأنه كاد يتحول إلى حقيقة بالفعل فى ليبيا، وفشل بسبب «خط مصر الأحمر» الذى أعلنته فى سرت والجفرة، وإن كانت المحاولات والمؤامرات لا تزال تبذل من أجل إفشال الحل السياسى الليبى، واستئناف تنفيذ خطط «التسليم للميليشيات» فى أى وقت، خاصة أن نموذج دولة طالبان فى آسيا مطلوب بشدة فى إفريقيا لأسباب أخرى، سياسية واقتصادية، وانطلاقا من ذلك، لا تفاجأوا عندما تجد «العصابة» الدولية «إياها» قد بدأت فى الفترة المقبلة، بل هى بدأت بالفعل، فى حملات وضع أطنان من مساحيق التجميل على وجه طالبان ودولتهم الجديدة، لتحولهم عبر سلسلة من المقالات والدراسات والتدوينات والتقارير الحقوقية من حركة مسلحة أساءت للبشرية جمعاء وللإسلام بصفة خاصة، وقمعت الأفغان، وقتلت الحريات، وحطمت التماثيل، ونهبت الآثار، وتاجرت فى كل ما هو غير مشروع، وتحالفت مع «الشيطان»، إلى حركة شابة مسالمة «بنت حلال» من حقها أن يفتح معها العالم صفحة جديدة، وتدير بلدا، وتخوض «التجربة»، وتكون لها علاقات طبيعية مع جيرانها وباقى دول العالم، تماما مثلما فعل أفراد العصابة نفسها مع بداية موجة «الربيع العربى»، عندما قدموا لنا مجموعة من اللصوص والانتهازيين والأفاكين والعملاء والإرهابيين على أنهم الشباب والتغيير والديمقراطية و«المهلبية»، والذين «تعروا» بالكامل أمام المصريين، وتعرت أهدافهم الدنيئة، «بدرى بدرى»، وتحديدا فى ليلة محاولة اقتحام مبنى وزارة الدفاع بالعباسية فى مايو 2012، وغيرها من لياليهم «السوداء»!
ما حدث فى أفغانستان بالنسبة لك كمواطن مصرى، يعنى باختصار، أن تمسك فى بلدك «بإيديك وسنانك»، وأن تعض على قواتك المسلحة العظيمة «بالنواجذ»، وأن تدعم هذا الرئيس الذى جعله الله سببا لحفظ هذا الوطن، وأن تستحقر أى أزمة أو قضية أو «خناقة» تحت مسمى «نقد» أو «معارضة»، هدفها دفعك إلى كراهية هذا البلد وإفشال القائمين عليه، بدلا من أن نتحول يوما إلى «متشعبطين» أو «متشعلقين»، وهو ما لن يحدث أبدا، وعلى السلطات من الآن قطع كل الطرق المؤدية إلى كابول!
الحمد لله على نعمة الوطن، الحمد لله على نعمة الجيش، الحمد لله على نعمة الرئيس.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: