رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خرافة كليات القمة

مع إعلان نتيجة الثانوية العامة اليوم، يدخل الطلاب فى حسبة برما مع الأهل والأصدقاء حول توقعات تنسيق القبول بالجامعات، والحد الأدنى من الدرجات التى ستقبل به كل كلية، وخاصة ما يسمى بكليات القمة.

فالطلاب الحاصلون على مجموع كبير من الدرجات فى القسم الأدبى يتطلعون دائما للالتحاق بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام والألسن ثم باقى الكليات، بينما يتطلع طلاب القسم العلمى إلى كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة ثم باقى الكليات ايضا، دون أن يدرك معظمهم أن تطورات سوق العمل فى مصر مع استمرار معدلات الزيادة السكانية الكبيرة والتقدم التكنولوجى الضخم فى العالم، بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا، تسببت فى تغيير معادلة ما يسمى بكليات القمة، ولم يعد معظم خريجى تلك الكليات يجدون فرص عمل بسهولة تضعهم فى صدارة السلم الاجتماعى كما كان الوضع فى العقود السابقة. فمن يظن أن التحاقه بأقسام العلوم السياسية يفرش له الطريق محاطا بالزهور للعمل بالسلك الدبلوماسى بوزارة الخارجية، لا يدرك أن الأمر مختلف تماما عن هذا التصور، فالعمل بالخارجية ليس مقصورا على خريجى أقسام العلوم السياسية، والقانون رقم 49 لسنة 1982 والمعدل بالقانون 69 لسنة 2009 يشترط فيمن يتقدم للعمل بالوزارة الحصول على مؤهل عال من إحدى الجامعات المصرية أو ما يعادله، أو شهادة أجنبية معادلة أو مؤهل عال من إحدى الكليات العسكرية، ولذلك هناك سفراء من خريجى كليات إعلام وهندسة وحقوق وغيرها، المهم هو اجتياز الامتحانات التى تعقد فى اللغات الأجنبية والعربية والسياسة الدولية المعاصرة والقانون الدولى والمنظمات الدولية والاقتصاد السياسى تحريريا وشفهيا.

ولذلك فإن الأغلبية العظمى من خريجى أقسام العلوم السياسية لا يلتحقون بالسلك الدبلوماسى، ولا يتبقى لهم بعد ذلك إلا العمل بمراكز البحوث التى اصبحت محدودة للغاية أو الصحافة والإعلام أو تغيير المسار إلى عمل ليس له علاقة بمجال الدراسة. اما كليات الإعلام التى اصبحت منتشرة فى كل مكان، فهى تضخ سنويا آلاف الخريجين الذين لا يجدون لهم موطأ قدم فى سوق العمل، خاصة أن العمل بهذا المجال لا يستلزم شهادة معينة وانما مهارات يمكن أن توجد لدى خريج أى كلية، والأهم أن سوق العمل فى الإعلام لا يحتاج إلى كل هذا العدد من الخريجين ويشهد تقلصا كبيرا نتيجة اسباب متعددة على رأسها التطور التكنولوجى المتزايد الذى قلص الحاجة إلى العنصر البشرى بدرجة كبيرة وسنشهد فى السنوات المقبلة مع الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال تزايدا ضخما فى الاستغناء عن العنصر البشرى.

وحتى دراسة اللغات الاجنبية تحتاج من الطلاب إلى التعرف على احتياجات سوق العمل أولا لاختيار اللغة المناسبة، فلسنوات طويلة كانت اللغة الانجليزية تقف على رأس قائمة اللغات التى يحتاجها سوق العمل، أما الآن فإن مجرد دراسة هذه اللغة فقط لم يعد سبيلا للحصول على فرصة عمل متميزة بعد أن اصبح لدينا أعداد ضخمة من الطلاب ممن درسوا الإنجليزية فى المدارس الخاصة والتجريبية والدولية والكليات الكثيرة التى تدرس موادها بالإنجليزية، بينما يتيح سوق العمل فى مصر فرصا كبيرة ومتميزة لدارسى لغات أخرى على رأسها الألمانية والصينية واليابانية.

وفى القسم العلمى مازالت هناك حاجة كبيرة لخريجى كليات الطب خاصة بعد جائحة كورونا، بينما أصبح هناك فائض كبير من خريجى كليات الصيدلة لا يجدون عملا، مما تسبب فى أزمة خاصة بعدم تكليف عدد كبير من الصيادلة من دفعة 2018 حتى الآن بالعمل فى وزارة الصحة، بينما معظم الصيدليات الخاصة تعتمد فى العمالة الموجودة بها على غير الصيادلة.

لذلك فإن الحاصلين على الثانوية العامة وأسرهم بحاجة إلى قراءة سوق العمل بشكل دقيق قبل اختيار الكلية المناسبة لقدراتهم بعيدا عما يسمى بكليات القمة، وقد اظهر استبيان نشره موقع «سى ان ان» عربية عن اتجاهات التوظيف فى مصر والشرق الأوسط وشمال افريقيا أن أعلى احتمالية للتوظيف ستكون فى قطاعات الهندسة، البرمجة والتصميم، النفط، الغاز، البتروكيماويات، التسويق، العلاقات العامة، الرعاية الصحية والتصنيع، إلى جانب أن المهارات الشخصية تعتبر جزءاً كبيراً من عملية التوظيف، وخاصة إجادة اللغات، والقدرة على العمل ضمن فريق، والشخصية والسلوك العام، والقدرة على العمل تحت الضغط.

وقد برز قطاع البنوك كأكثر قطاع جاذبية للكفاءات في مصر، يليه قطاع العقارات والإنشاءات، ثم التسويق والعلاقات العامة قائمة. وهناك دراسات عديدة لمركز معلومات مجلس الوزراء والجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء ووزارة القوى العاملة وبعض الجامعات عن اتجاهات سوق العمل فى مصر، خلاصتها اننا بحاجة إلى تخصصات معينة منها البرمجة التى تشمل كل ما يتعلق ببرامج الشركات والمواقع وتطبيقات الأجهزة الذكية والسوفت وير، والتمريض الذى تعانى المستشفيات نقصا كبيرا به، والهندسة بمختلف تخصصاتها وخاصة مدنى وانشاءات وIT ، وهندسة الطاقة المتجددة، والتسويق الالكترونى.

وقد اتخذت وزارة التعليم العالى خطوة مهمة بالبدء فى انشاء 6 جامعات تكنولوجية جديدة فى المناطق الصناعية، فمثل هذه الجامعات تسد احتياجات مهمة فى سوق العمل غير موجودة الآن بالشكل المطلوب، خاصة فى مجالات الصناعات المعدنية والخشبية والهندسية والإلكترونية والكهربية والغذائية والغزل والنسيج والصناعات التحويلية والورق ومنتجاته والكيماويات ومواد البناء والخزف والحراريات واستغلال المناجم والمحاجر.

إن الاهتمام بهذه الجامعات وبالكليات الصناعية وبالتعليم الفنى ايضا هو المستقبل الحقيقى لشباب مصر فى سوق العمل، ولنا فى التجربة الألمانية أسوة، حيث أقامت نهضتها الصناعية الكبرى على التعليم الفنى، وهو ماجرى ايضا فى كل الدول الصناعية الكبرى.

فلتسع كل أسرة للتعرف على احتياجات سوق العمل لتختار لابنها الكلية المناسبة على ضوء قدراته ايضا، وتساعده فى اكتساب المهارات المطلوبة، وليدرس كل طالب ما يحب ويتوافق معه ويصعد إلى قمته الخاصة.


لمزيد من مقالات فتحى محمود

رابط دائم: