رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأمية الجديدة فى العصر الرقمى

ألقت جائحة كوفيد 19 بظلال جديدة على أهمية التوجه الاستراتيجي الذي تقوده الدولة في مجال التحول الرقمي، وفي ظل بيئة رقمية أصبح يسيطر عليها الانتشار المذهل للتطبيقات الرقمية من قبل كل الفاعلين في مجال المعرفة والبحث والتعليم، وأثرت تلك المتغيرات في عناصر العملية التعليمية برمتها بدءا من الطالب، والمعلم، والمنهج الدراسي والمنشأة التعليمية، وفي ظل تصاعد دور المعرفة والابتكار وما يرتبط بذلك من تقاسم جديد للقوة والنفوذ في العصر الرقمي.

وكان لذلك الواقع الجديد دور في تصاعد قضية الأمية الرقمية التي تعني افتقاد القدرة على التعامل مع الحاسب الآلي والتواصل مع العالم من خلاله.

ولم يقتصر مدلول الأمية الرقمية على ذلك بل اتسع ليأخذ في اعتباره بعدين مهمين الأول، يتعلق بدور الوعي والقيم في محو الأمية الرقمية، وأما الثاني، فيرتبط بدور المهارات الرقمية وضرورة ملاحقتها للحد من الفجوة المعرفية، وانعكس ذلك التغير في متطلبات العرض والطلب على الوظائف، والتي أصبحت ترتبط بقدرة الأفراد في الدخول إلى السوق الجديد استنادا على ما يمتلكونه من مهارات تمكنهم من تعزيز التفاعل البناء مع التطبيقات الرقمية، ونتج عن ظهور نمط جديد من الفجوة الرقمية تواكبها زيادة مقابلة في التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين من يمتلكون تلك القدرات وبين غيرهم الذين لا يمتلكون قدرة الوصول، وسواء تم ذلك على مستوى المعرفة الرقمية أو على مستوى الاستحواذ على الوظائف الجديدة او بالتفاوت في مستوى الدخل.

وأصبحت تلك المهارات الرقمية متغيره بطبيعتها وفق وتيرة التقدم التقني وطبيعة دور الإبداع والابتكار ،ومدى توافر الخدمات الرقمية وفق أذواق أو ميول المستهلكين ، وذلك مع ارتكاز السوق الرقمي بين الفاعلين فيه على المنافسة الشديدة في المعلومات والمعرفة والحكمة.

وأصبح لا يعني محو الأمية الرقمية فقط القدرة على استخدام التقنيات الرقمية،بل تتطلب كذلك القدرة على الاستدامة والبقاء، والتي لن تتأتى الا من خلال الاستثمار في التعليم و نمط التفكير العلمي وغرس القيم الجديدة والمحفزة على التنمية الذاتية والمجتمعية. والقدرة على حل المشكلات التي أصبحت أكثر تعقيدا عن ذي قبل، وذلك الى جانب الوعي بالفرص والتحديات المرتبطة بها.

وعلى الرغم من التصاعد في انتشار التطبيقات الرقمية إلا أن ذلك لم يواكبه حالة أخرى من زيادة الوعي بماهية مثل تلك التطبيقات أو الأدوات الجديدة المرتبطة او بالقضايا التي تثيرها والتي ترتبط بالمقام الأول بثقافة المستخدم دون غيره، وهو ما يفسر تصاعد الاستخدام السلبي للثورة الرقمية على الأسرة والمجتمع، وهو الذي لم يشهد حالة تدريجية من الانتشار التقني بل كانت هناك حالة مفاجئة في التطبيق والانتشار معا وصلت إلى حد الصدمة في التبني السريع والذي جاء مدعوما في نفس الوقت بآليات السوق من قبل الشركات المشغلة والتي يحركها فقط البحث عن التوسع في السوق بغض النظر عن تبعات ذلك من النواحي الثقافية أو الاجتماعية ،بل كذلك بالنظر إلى قدرة البنية التحتية على امتصاص التضخم الهائل من المستخدمين ودخل بذلك المجتمع إلى حالة من الأمية الجديدة وهي الأكثر خطرا في تداعياتها على امن واستقرار المجتمع، وذلك لأنه يتلازم مع الأمية الرقمية عدد آخر من الأزمات و الفجوات مثل الفجوة المعرفية والرقمية والاتصالية، وهو الأمر الذي يعمل على تعميق التأثيرات السلبية، في مقابل القدرة على امتلاك الفرص الجديدة التي تمثلها الثورة الرقمية ، وهو ما يجعل من قضية الامية الرقمية قضية متشابكة ومتداخلة بين الفرد والمجتمع من جهة وما بين المسئولية الفردية والجماعية من جهة أخرى، ويحتاج ذلك الأمر إلى رؤية شاملة ترتكز على المهارات الأساسية المطلوبة، والتي من ضمنها القدرات في مجال البحث وجمع المعلومات، والاتصالات الفعالة، والأمن الرقمي، والمهارات الوظيفية، والابتكار والتفكير النقدي إلى جانب أهمية الفهم الثقافي والاجتماعي لطبيعة البيئة الرقمية، ومواجهة الفجوة بين الريف والحضر وما بين الآباء والأبناء في مجال المعرفة الرقمية وإدراك تحديات تربية النشء والشباب.

وهو الأمر الذي يتطلب إعادة التفكير في ماهية الثقافة والنظم التعليمية القائمة وجعلها تبتعد عن الحفظ والتلقين إلى جانب الأبعاد الأخلاقية، والعمل على خلق توازن حقيقي بين تطبيقات التعلم عن بعد والتعليم المدرسي إلى جانب الموازنة بين الانغماس في التفاعل الرقمي وغيره من التفاعل الإنساني والاجتماعي، وترسيخ ثقافة التعليم المستمر لمواجهة الطلب الجديد على المهارات والوظائف إلى جانب أهمية برامج التدريب وبناء القدرات بالتعاون مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وكافة أصحاب المصلحة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومن شأن ذلك أن يدعم قدرات الدولة في تنفيذ خطط التنمية المستدامة وتعزيز فرص تمكين الشباب من العيش والتعليم والعمل في العصر الرقمي.


لمزيد من مقالات د. عادل عبد الصادق

رابط دائم: