قبل نحو عامين كتبت عن حادثة مؤسفة تعرض لها أستاذنا الكاتب والأديب الكبير وديع فلسطين أطال الله عمره، حيث أصرت موظفة بالتأمينات الاجتماعية على صعوده وقد تجاوز 94 عامًا، إلى مكتبها بالدور السادس فى مبنى ليس به أسانسير لتراه بنفسها، وتتأكد من أنه المؤمن عليه وأنه لايزال حيًّا، ورفضت أن تنزل أو ترسل أحدًا ليتأكد منه، وصعد الأستاذ الجليل محمولاً على أكتاف أولاد الحلال، تلبية لموظفة تفتقر إلى أبسط مشاعر الرحمة والإنسانية، ووقتها هزت الحكاية وجدان السيدة وزيرة التضامن، وأصدرت تعليماتها بضرورة تجنيب كبار السن مثل هذه المواقف، وأن يتم التأكد من هذه الحالات بالزيارة المنزلية، تكريمًا لأناس أفنوا عمرهم فى خدمة بلادهم. إلا أن تعليمات الوزيرة فيما يبدو لم تصل إلى بعض هواة ممارسة التعذيب، فقبيل أسبوعين تعرض صديق عزيز لموقف مشابه، حيث أوقف مكتب البريد الذى تتبعه والدته صرف معاشها، فذهب للمكتب وقابل مديره موضحًا أن والدته تجاوزت الثمانين على مشارف التسعين، وترقد على الفراش دون حركة فى شبه غيبوبة لا تعى شيئًا، وأبدى استعداده لأن يصطحب موظفًا من المكتب فى سيارته الخاصة، ليتأكد من أن والدته حية ويعيده إلى المكتب ثانية، إلا أن المدير رفض وأصر على حضور صاحبة المعاش بنفسها، وحين وصلت الحكاية إلى مسمع الزميل الإنسان أ. هانى يونس المستشار الإعلامى للسيد رئيس الوزراء حتى تدخل بشهامة لحلها، ولم تمض دقائق إلا وتلقى صديقى اتصالاً من أ. وليد فنجرى من مكتب د. شريف فاروق رئيس مجلس إدارة هيئة البريد، وبعده اتصال من أ. أشرف شعير مدير عام البريد بالقليوبية، اعتذرا فيه عن تصرفات مدير مكتب البريد، وطلب الأخير مراجعة مدير المكتب مرة أخرى، الذى ادعى عدم وصول تعليمات له بهذا الشأن، وبعد اتصال بين المدير وقياداته قال: مجاملة منى أوافق أن تعمل لها ختمًا، فرد الصديق ختم إيه هى تجيد القراءة والكتابة لكنها غير واعية، فأصر المدير على ذلك، وداخ صاحبنا فى المطابع باحثًا عمن يصنع له ختمًا حتى صنعه، لكنه لم يعد ذا قيمة إذ سبقت إرادة الله وتوفيت والدته قبل أيام. والسؤال الذى يؤرقني: ما فائدة الرقمنة والرقم القومي؟ فما أعلمه أن منظومة التأمينات مربوطة بمنظومة الصحة، وعند استخراج شهادة الوفاة مؤمن تصل المعلومة إلى التأمينات فيتوقف المعاش أوتوماتيكيًا، فلماذا تعذيب كبار السن وأهاليهم بإجبارهم على إثبات كونهم على قيد الحياة كل 6 أشهر؟!.
لمزيد من مقالات أسامة الألفى رابط دائم: