فى عالم السياحة «ما حدش بياكلها بالساهل».
هى صناعة تدر «الشهد»، على الدول والأفراد، ولكنها كالجوهرة، تحتاج إلى عناية فائقة، وعمل احترافى يرعاها ويصونها، من أعلى، ومن أسفل، وبالعكس، وإلا فلا تتكلم عن السياحة من الأساس.
صناعة هشة، شديدة الحساسية، سريعة الانهيار، وسريعة التعافى فى آن واحد، وغفوة صغيرة يمكن أن تكلف دولة ما خسائر بمليارات الدولارات. تصرف سخيف من عامل فندق أو سائق تاكسى، أو أى مواطن «ماشى فى الشارع»، يمكن أن يكلف ما هو أكثر من المليارات، وهو «السمعة». «ياما» دول سياحية كبرى تعرضت للإرهاب، ولهزات سياسية واقتصادية، ولكنها لم تفقد سمعتها السياحية، ولكن، هناك نوعية من الأخطاء التى لا يمكن أن تغتفر فى عالم السياحة!
قبل الابتهاج بعودة السائحين العرب والروس، علينا أن نسأل أنفسنا: هل عالجنا أوجه القصور لدينا؟ أم أن كل شيء ما زال «محلك سر»؟ ولكى يكون الكلام واضحا، أتحدث هنا عن الدولة، وعن المصريين، معا.
نعم، عالجنا الشواغل الأمنية بطريقة احترافية، بدليل أن التقييمات الروسية الدقيقة جدا خلصت أخيرا إلى أن مصر آمنة تماما للسائحين، ونعم، عالجنا شواغل كورونا بعناية وجهد شهد بهما العالم أجمع، بداية من تطعيم الأجانب المقيمين فى مصر، ومرورا بتطعيم جميع العاملين فى المنشآت السياحية بمدن المنتجعات الشهيرة، ونهاية بتطبيق الإجراءات الاحترازية فى تلك المناطق بصورة لا تقبل الهزار الموجود فى باقى أنحاء الجمهورية، ونعم، شيء مفرح أن نرى فنادق القاهرة والجيزة والإسكندرية ممتلئة بالأشقاء العرب، وأن تملأ تدويناتهم وهاشتاجاتهم التى تتغزل فى شوارع مصر وأجوائها وشعبها ولياليها صفحات النت، بعد أن صرفوا النظر عن لندن واسطنبول وبانكوك، ونعم، شيء يدعو للفخر أيضا أن تبث وسائل الإعلام العالمية صورا يومية لطوابير السائحين الروس فى مطارات المدن الروسية قبل السفر إلى شرم الشيخ والغردقة. ولكن الذى لا يدعو للفخر، بل ويدعو للقلق، أن عيوبنا وسلبياتنا التقليدية ما زالت ماثلة أمام أعيننا، واضحة أمامنا جميعا، بلا أى تغيير، وتشوه وتهدد قيمة مصر كوجهة سياحية عالمية لعشاق سياحة الشواطئ والآثار والتسوق والعلاج والاسترخاء. أتحدث عن أمور «تغيظ» حقا، ومن لا يصدق، فليقرأ تعليقات السائحين الغاضبين على بعض المدونات والصفحات المتخصصة فى ذلك، والتى يفترض أن تكون أكثر أهمية بالنسبة لنا من تعليقات المديح والإشادة.
وإذا كنا نؤمن بأن «إكرام الضيف واجب»، وأن «الزبون دائما على حق»، فإن ما يجب أن نعرفه أن السائح ليس مجرد ضيف أو زبون، وإنما شىء ثمين جدا يجب الحفاظ عليه، وتأمينه، وإسعاده، و«تدليله»، كما تفعل دول أخرى بـ«معلمة» شديدة، فسائح واحد راض يعنى عشرة سائحين آخرين مثله فى الطريق، ولكن سائحا واحدا «قرفانا» يعنى بضعة آلاف يتبنون صورة ذهنية سلبية شاملة!
مصر واحدة من أعظم الوجهات السياحية فى العالم، بل تستحق وصف «الوجهة المظلومة»، لأنها المفروض أن تكون الأولى عالميا، بفضل ما تمتلكه من عناصر جذب، لولا «الظروف».
فى دنيا السياحة، يقولون إن الوجهة المثالية يجب أن توفر أربعة أشياء، وعلى أعلى مستوى، أو A4's وهي: المزارات، وسهولة الوصول، وجودة الخدمات، والإبداعات الإضافية التى تميز بلدا عن آخر، ويقال أيضا إن صناعة السياحة هى محصلة عمل خمس صناعات: النقل، والإقامة، والأطعمة والمشروبات، والاستجمام والترفيه، وخدمات السفر. كل هذا لدينا، ولكن ما ليس لدينا، هو أننا ما زلنا نسمح باستمرار الأخطاء التى لا تغتفر، ونترك السائح «لعبة» فى يد الظروف والمنغصات:
«معاكسة» سائحة أو الاستظراف عليها أو مجرد «البصبصة»، كل هذا يعنى «التحرش»، قولا واحدا، يعنى «مصيبة». المغالطة فى أسعار السلع والخدمات للسائح، لأنه سائح، «سرقة».زجاجة المياه التى تباع بـ30 و40 جنيها «نصب واحتيال». كوب العصير أو فنجان القهوة أبو 100 جنيه «استعباط». سائق التاكسى الذى يتشاجر مع زملائه على الزبون، ولا يعمل بالعداد ولا بالتكييف، «حاجة تكسف». البقشيش الذى يطلب، بالنظرات والهمسات وبـ«أى خدمة»، و«كل سنة وانت طيب»، تسول. وتدافع المتسولين على السائحين فى كل مكان أيضا «عار». نزول البحر أو «البيسين» بغير ملابس السباحة «قذارة». ملء الأطباق بالطعام فى «الأوبن بوفيه» «قلة ذوق». غياب النظافة، وانتشار الحيوانات الضالة، والأصوات المزعجة، «فضائح». كل هذا أخطر من الإرهاب وكورونا.
فهل فعلنا أى شيء، حكومة وشعبا، لنمنع ذلك؟!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: