رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر أم الدنيا (25).. تزول الممالك وتبقى مصر

فى تاريخ العالم منعطفات حادة طرحت شعوباً ودولاً تحت أقدام الهمجية، وطرحت تاريخ أخرين فى طى النسيان. والحقبة التى جاءت فى آخر حياة رمسيس الثانى كانت من تلك المنحنيات التاريخية التى يسمونها بنهاية العصر البرونزي. ففى هذا العصر وجد الإنسان عنصر النحاس وأصبح كل صور الحضارة لها ارتباط بهذا الاكتشاف، ولكن ما أن اكتشف الحديد حتى صار هناك عصرا جديدا.

ولكن تزامناً مع هذا أيضاً حدثت أحداث تجمعت معاً لترسم خريطة العالم من جديد، فقد كانت القوة العظمى فى العالم هى مصر يليها حضارة ما بين النهرين؛ وبعض القوى المتفرقة فى الهند والصين ودولة الأناضول والحيثيين الذين صارت الآن تركيا، ثم اليونان الموكانية وهو نسبة إلى موقع أثرى فى اليونان فى منطقة بيلونيز وشعوب الحضارة الفينيقية والشام.ومنذ عام 1200ق.م ولمدة خمسين عاماً حدث صدام ثقافى وحربى بين اليونان الموكانية والحيثيين وبلاد الشام ومصر وبين قبائل فى شرق المتوسط وشماله دمرت فيها دولة الأناضول واليونان وظهرت قوى جديدة فى العالم. وبدأ عصر القراصنة فى البحر المتوسط وهجرة القبائل وغزوها إلى مصر من ناحية ليبيا وسيناء. كما تعرض العالم إلى سلسلة من البراكين والزلازل المدمرة ولم تستطع اليونان استعادة حضاراتها إلا بعد ثلاثة قرون.

أما مصر فقد بدأت تلك المشاكل تظهر فى نهاية عصر رمسيس الثاني، ومع ضعف الدولة اقتصادياً نتيجة الإسراف فى بناء المعابد والقصور بدأت قبائل من شمال غرب شبه جزر البلقان وبعض جزر المتوسط فى إعداد جيوش مرتزقة والإغارة على البلاد المصرية، كما بدأت قبائل البربر من ناحية ليبيا أيضاً فى مهاجمة الحدود ووصلوا إلى الدلتا. وانتشرت الفوضى والنهب والسلب.وفى هذه المرحلة مات رمسيس الثانى وقد اختار وريثاً للعرش وولى للعهد الأمير خعمواس الذى يعد أول مرمم للآثار المصرية؛ فقد كان الكاهن الأعظم فاهتم بترميم معابد وآثار أجداده. وأثيرت حوله أيضاً قصص تداولتها كتابات الإغريق فى أساطيرهم فقد سعى إلى الحصول على كتاب تحوت السحرى فى إحدى المقابر التى كان يرممها؛ وكان كل من يحصل على هذا الكتاب يصير ملعوناً وتحدث له أمور مرعبة، الأمر الذى جعله يعيده مرة أخرى إلى مكانه وأخفاه حتى لا يصل إليه أحد مرة أخرى. ومات وهو فى الخامسة والخمسين من عمره.

وجاء بعده مرنبتاح ــــ وهو ابن رمسيس الثانى فجلس على العرش فى أحداث عالمية مضطربة. وفى عامه الثالث قاد الجيش ليستعيد بلاد الشام الثائرة، وفى عامه الخامس قاد الجيش ليصد هجوم قبائل جاءت من البحر المتوسط وليبيا وكونت جيوشا واحتلت مناطق الدلتا والفيوم. وكانوا قد زحفوا فى سنوات عائلات وأفراد ثم كونوا جيشاً من عشرين ألف مقاتل وهددوا الدولة المصرية، فزحف إليهم مرنبتاح واستطاع أن يطردهم. كما أخضع ثورة فى الجنوب أيضاً.

وبنى معبداً جنائزياً بالقرب من معبد أمنحتب الثالث فى طيبة الذى هدمه ليبنى به معبده. كما محا اسم والده من نقوش معبد أرمنت ووضع اسمه بدلاً منه. وحكم عشر سنوات. وفى عصره حدث خروج بنى إسرائيل كما قلنا فى مقال سابق، فقد ذكر فى لوحة انتصار فى معبده الجنائزى يقول فيها: خرجت إسرائيل ولم يعد لها بذور. وفى بردية محفوظة فى المتحف البريطانى تُعرف بوثيقة انسطاسى خطاب من مرنبتاح يقول فيه: بعض بدو شاسو-ايتام (البدو الآسيويين) سُمح لهم حسب التعليمات أن يجتازوا إقليم سكوت (تل المسخوطة) ليتاح لهم رعى ماشيتهم.

وبعد موته عام 1200ق.م حدث نزاع على العرش دام عدة سنوات حكم فيها ثلاثة حكام؛ جلس اثنان منهم على العرش بطرق غير مشروعة. الأول امنمسي، والثانى مرنبتاحسبتاح الذى تزوج تاوسرت من نسل الملوك، وحكم ست سنوات، وكان مريضاً. وحكمت بعده زوجته تاوسرت حسب كلام مانيتون سبع سنوات بمساعدة وزير وحامل الأختام السورى اسمه إرسو على اسم أحد آلهة الشام.وفى عصرها حدثت حرب طروادة التى دامت عشر سنوات بين الإغريق وأهل طروادة غرب تركيا الآن. والقصة حسب ما ذكرها هوميروس فى الإلياذة أن الحرب قامت لأجل هيلينا التى اختطفها أحد أمراء طروادة من أسبرطة، وكانت متزوجة من شقيق الملك. فقامت الحرب وهجم الجيش الأسبرطى بحيلة قدموا هدية عبارة عن حصان كبير من خشب داخله مواد غذائية لشعب طروادة، ولكن فى الحقيقة كان داخله جنود ما أن دخلوا حتى فتحوا أبواب المدينة وسقطت طروادة. ويُقال إنها هربت إلى مصر عقب سقوط طروادة وعاشت فيها ثمانى سنوات.

وفى مصر سادت فوضى فى البلاد وحرب أهلية طاحنة وسرق الوزير السورى أموال المعابد والقرابين. وانتهز القراصنة وقبائل من ليبيا الوضع المضطرب وبدأوا فى الاستيطان وكونوا عصابات سطو واستولوا على الحقول. ويقول عن هذه المرحلة فى إحدى البرديات: لقد فقد كل إنسان متاعه، ولم يبق حاكم يرد الحق عدة سنوات، فصار الجار يقتل جاره قوياً كان أم ضعيفاً. ولم ينقذ البلاد إلا ظهور رجل قوى من نسل رمسيس الثانى استطاع أن يمسك الحكم وهو ست نخت فبدأ فى فرض الأمن وأعاد القوانين، وقتل مغتصبى العرش، وأعاد الحياة إلى مصر فى أمان. ويقال عنه: عرف كل إنسان أخاه بعدما كان مضطراً إلى المعيشة داخل جدران المنازل، وأعاد قربان المعابد كما كانت منذ القديم. وحكم ثلاث سنوات وأشرك معه ابنه رمسيس الثالث الذى أعاد الاستقرار لمصر التى تمرض زماناً ولا تموت أبداً لأنها أم الدنيا.


لمزيد من مقالات القمص . أنجيلوس جرجس

رابط دائم: