فى أول يوم لنا فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أنهى الدكتور خليل صابات محاضرته، وفتح باب الأسئلة.
كان السؤال الأول من طالب ريفى واعد، وكان من كلمتين فقط: «ماذا نقرأ»؟!
توقعنا أن تأتى الإجابة فى صورة نصيحة بالقراءة فى الأدب أو السياسة أو الاقتصاد، أو ربما بالقراءة لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وهيكل، فقد كانوا جميعهم على قيد الحياة آنذاك.
ولكن إجابة الأستاذ الجليل كانت عبقرية، ولا تنسى، ومن كلمة واحدة فقط.
قال له: «الأهرام» .. «اقرأ الأهرام»!
لم يعلق صاحب السؤال، فبادره الدكتور صابات موضحا: «اقرأ الأهرام كل يوم، فهذا يكفيك»!
لم يكن أستاذنا يتحدث فقط عما تنشره الأهرام من مقالات رصينة، ولكنه كان يعنى أن تتابع الدنيا من خلال الأهرام، حتى تصبح ملما بكل ما يجرى من حولك، وليس مغيبا، أو فريسة للكذب والشائعات، حتى وإن كانت الأهرام جريدة الدولة، أو جريدة «حكومية»، أو «محافظة»، أو أى صفة أخرى يمكن أن توصف بها ولا تقلل من هيبتها أبدا.
أما الآن، فنحن أمام مجتمع يتفاخر - بسم الله ما شاء الله – بأنه لا يقرأ، و«قاعد» 24 ساعة على فيسبوك وتويتر وإنستجرام وبرامج التوك شو المسائية، حيث الفبركة، والمعلومات المغلوطة، والصور والفيديوهات المضروبة، والقضايا التافهة، والخناقات الأتفه، وإذا سألت أحدهم عن مصدر أى خبر، يقول لك بكل زهو «قرأته على الفيس»، أو «نازل على النت»؟ طيب مين اللى منزلها؟ لا أحد يعرف، أما «الأهرام» فهى بالنسبة له موضة قديمة، و«نشرة» حكومية، وصحافة عتيقة، وجريدة لا تصلح أوراقها سوى للبيع بالكيلو أو لتلميع النوافذ أو لفرش السفرة!
بالله عليكم هل توجد مواصفات للجهل المطبق، أوضح من ذلك؟!
الطريف، أن كثيرين يزعمون أنهم لا يقرأون «الأهرام»، ومع ذلك، تجدهم يصرخون ويولولون و«يتشقلبون» إذا كتبت «الأهرام» خبرا لا يعجبهم، أو أخطأت فى عنوان، أو حتى فى نقطة، أو فى «فاصلة»!
ما ترسوا على بر: هل تقرأون «الأهرام»، أم لا تقرأونه؟!
هل صارت «المنظرة» على «الأهرام» من مبررات الوجاهة الاجتماعية؟
ألا يدرك هؤلاء «المتمنظرون» أنهم يتحدثون عن شيء أكبر منهم؟ ألم يحن الوقت أمام هؤلاء أن يعترفوا بأن عدم قراءة الصحف، وأولها الأهرام، مهما تكن أخطاؤها، مشكلة عندهم، بل و«عار» عليهم، لا سببا يدعو للفخر؟
ألم نلاحظ أن حكاية «غياب الوعي» لدى المصريين هذه تزامنت بصورة واضحة جدا، مع بدء ابتعادهم عن قراءة الصحف، وتعاليهم عليها، وانبهارهم بالفضائيات والنت، وصحافة المواطن، حتى صار ما صار، ووصلنا إلى درجة غير مسبوقة من غياب الوعي؟!
هل نسينا أن مبنى «الأهرام» كان أول مبنى فى مصر يتعرض للرشق بالحجارة من السادة الأشاوس «ثوار» التحرير يوم جمعة الغضب فى 28 يناير 2011، عند بدء حملتهم «السلمية» لإشاعة الفوضى والخراب فى كل ربوع مصر؟
هل نسينا أن الإعلام الوطني، ممثلا فى الأهرام وماسبيرو تحديدا، كان أبرز المستهدفين بالتخوين والتسفيه والتحقير و«التدمير» من قبل ثوار يناير، لحساب إعلام ممول مشبوه قادم من الخارج يفضل صحافة «كله رايح»، ويعتبر الانحياز للدولة «عيبا»؟
نعم، كان لهذا الإعلام أخطاؤه، ولا يزال، لكنه لم يخن.
ندرك أن «أهرام» زمان ليس هو أهرام الآن، ولكن عالميا أيضا، ليست لدينا صحافة زمان، ولا تعليم زمان، ولا جمهور زمان، ولا ملابس زمان!
لا نزكى أحدا، ونسعى دائما للتطوير فى ظل منافسة غير بريئة، ولكن «الأهرام» بالذات، التى تحتفل غدا بعيد صدورها، إذا لم تجد قارئا يليق بها، فسوف يكون الأمر أشبه بأم كلثوم وهى تغنى «ثورة الشك» فى فرح شعبي!
الظروف صعبة حقا، ولكن مصداقية «الأهرام» لم تتغير، ومكانتها عربيا وإقليميا وعالميا أشعر بها كلما التقيت مسئولا عربيا أو أجنبيا، فما تفسيركم؟
إلا صحيح .. وبمناسبة المصداقية، والسمعة، أين ذهب «التعديل الوزاري»؟
«لأ بجد» .. أين التعديل الوزاري؟
هل تغيرت الوزارة حقا؟ أم أن من ردد هذا الكلام كان «يهبد» على مدى أسبوعين؟ وأين الجهات المسئولة من محاسبة هؤلاء الذين كان «عشمهم» إسقاط وزير، أو الدفع بآخر، أو ربما زيادة «الترافيك»؟
من أين أتوا بأخبار التعديل؟ وما هى مصادرهم؟ وهل سيبررون خيبتهم الثقيلة الآن بأنه «كان فيه تعديل ورجعوا فيه»؟!
.. ونعود لما قاله د. صابات: «اقرأ الأهرام»!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: