-
«التجاذبات» حالت دون السير الطبيعى لعمل المؤسسات الدستورية ولا سيّما البرلمان
-
لا توجد أى نيّة للتنكيل برجال الأعمال أو مصادرة أموالهم بل نعوّل على حسّهم الوطنى فى هذه الظروف
تمر تونس الشقيقة بمنعطف تاريخى ومهم فى تاريخها، بعد القرارات التى أصدرها الرئيس التونسى قيس بن سعيد يوم 25 يوليو الماضي، وأثارت جدلا كبيرا، ما بين أغلبية فى الداخل والخارج، إقليميا ودوليا، تبدى ترحيبا كبيرا بهذه الخطوات التصحيحية للمسار السياسى لهذا البلد، وإنهاء عقد من حكم “الإخوان”، تمثل فى حركة “النهضة”، وما بين متحفظ ومتخوف على ما سموه مستقبل “الديمقراطية”.
وقد نالت هذه القرارات دعما شعبيا لا محدودا، خاصة أن الرئيس التونسى استخدم حقه الدستورى والقانونى فى اتخاذ هذه القرارات، وتحديدا المادة 80 من الدستور، من خلال تجميده عمل البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وإعفاء رئيس الحكومة، بعد فشلهم جميعا فى تلبية طموحات الشعب التونسي، بجانب تأكيده أن حرية التعبير فى تونس مضمونة ومصونة، ولا مساس بالحريات إطلاقا.
وللتعرف عن قرب على حقيقة ما جرى فى تونس، وطبيعة المشهد هناك على الأرض، كان لـ”الأهرام” هذا الحوار الخاص مع محمد بن يوسف سفير الجمهورية التونسية لدى القاهرة، علما بأن السفير كان قد تولى مهام منصبه هذا العام، حيث تم تعيينه فى 12 سبتمبر 2020، وكان له دور كبير خلال الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس التونسى للقاهرة فى وقت سابق من العام الحالي، والتى التقى خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث كانت هذه الزيارة منعطفا مهما فى علاقات البلدين الشقيقين.
وإلى الحوار:
فى البداية، كان السؤال: هل لك أن تعطينا خلفية عن القرارات التى اتخذها الرئيس التونسى فى 25 يوليو، والمبررات، وأيضا الأسس القانونية التى استندت إليها؟
من الضرورى فى بادئ الأمر أن أؤكد لكم أن سيادة رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الدولة التونسية والضامن لاستقلالها واستمراريتها واحترام الدستور، وأشدد على أن القرارات التى اتخذها سيادة الرئيس استندت إلى الدستور، ولا سيّما الفصل 80 منه، وذلك فى ضوء ما لاحظه الجميع من انسداد الأفق السياسي، الذى زاد من حدّة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى سوء إدارة جائحة «كوفيد 19» فى تونس، ولهذا، استجاب سيادة الرئيس لإرادة الشعب.
وكيف كانت هذه القرارات ناتجة بالفعل عن الإرادة الشعبية خاصة فى ظل من ادعى أن البرلمان والأحزاب السياسية هى تمثل الشعب؟
هنا، لابدّ من التمييز بين المؤسسة البرلمانية المنتخبة من الشعب، وبين إرادة الشعب، الذى طالب فى العديد من المناسبات بحلّ البرلمان، كما أن تقرير دائرة المحاسبات أثبت أن العديد من الأحزاب تلقّت تمويلات أجنبية خارجية فى الانتخابات الماضية، وهذا يمنعه القانون، كما لاحظ الجميع أن التجاذبات السياسية حالت دون السير الطبيعى للمؤسسات الدستورية، ولا سيّما البرلمان نفسه، وهو ما أصبح مرفوضا من قبل غالبية التونسيين، ممّا استوجب تجميد عمله وفقا لتدابير استثنائية لحماية هذه المؤسسة الدستورية.
هناك من يقول إن هذه التدابير استثنائية دائمة، ويزعمون أنها ضد الديمقراطية وضد الشرعية، ما تعليقك؟
هذه التدابير الاستثنائية هى تدابير مؤقتة، وتندرج فى إطار تنظيم مؤقت للسلطة وفقا للدستور إلى حين زوال الخطر الذى يدهم الدولة التونسية ومؤسساتها، وذلك ضمانا لاستقرار البلاد وحسن سير مؤسسات الدولة وحمايتها، وضمان ديمومتها، وحماية المسار الديمقراطى برمّته، وكما تعلمون، فإن رئيس الجمهورية هو رجل قانون دستورى فى الأساس، ولذلك، فإنه يحتكم إلى الدستور فى جميع قراراته.
الرئيس قيس بن سعيد بالفعل أكد أكثر من مرة أنه يضمن الحقوق والحريات فى البلاد، هل هذا يكفى لطمأنة المتخوفين من هذه التحولات؟
إننى أؤكد لكم التزام تونس الثابت وسيادة رئيس الجمهورية بضمان الحقوق والحريات واحترام دولة القانون والمسار الديمقراطى فى بلادنا، وهو ما شدّد عليه فى جميع تدّخلاته.
بعد هذه القرارات، ما الذى تحتاجه تونس فى الفترة الراهنة فى رأيك؟
إن بلادى تونس فى حاجة مؤكدة إلى فرض القانون على الجميع، وضمان استقلال القضاء، فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد.
وماذا تطلبون من الدول الشقيقة، والمجتمع الدولى فى تلك الفترة الحرجة؟
إن تونس تعول على دعم الدول الشقيقة والصديقة ومختلف المنظمات الدولية فى هذه المرحلة من تصحيح المسار السياسي، حتى تظل التجربة التونسية الديمقراطية عنوان نجاح حقيقى فى إرساء دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والحريات، وهذا بالتأكيد يدعونا جميعا إلى الانتباه وعدم الانخراط وراء الادّعاءات والأكاذيب التى تروّج لصورة غير حقيقية للوضع فى تونس، وأجدد التأكيد لكم أن رئيس الجمهورية حريص على احترام حرية الإعلام والتعبير وحقوق الإنسان، وأنه لا نية لديه للارتداد على هذه المكتسبات.
قيل أيضا إن الإجراءات الأخيرة تهدد بعواقب سلبية على الاقتصاد التونسي، ونشاط رجال الأعمال؟
لا توجد أى نيّة للتنكيل برجال الأعمال أو مصادرة أموالهم، بل إننا نعوّل على حسّهم الوطنى فى مثل هذه الظروف الدقيقة من تاريخ تونس.
سفير تونس فى سطور
محمد بن يوسف هو السفير الحالى للجمهورية التونسية لدى مصر، منذ 12 سبتمبر 2020، وسبق له أن عمل سفيرا لبلاده لدى مملكة البحرين منذ نوفمبر 2013، وهو حاصل على “الإجازة” فى العلوم القانونية.
تخرج بن يوسف فى المعهد الدبلوماسى عام 1992، وبدأ حياته المهنية دبلوماسيا فى العام نفسه فى وزارة الشئون الخارجية، ثم عمل مستشارا فى سفارة الجمهورية التونسية بتركيا فى الفترة من 1996 إلى 2001، ومستشارا بسفارة تونس بسوريا خلال الفترة من 2005 إلى 2010، كما شغل عدة مناصب دبلوماسية مهمة متنوعة، من بينها عضويته فى القمة العربية أعوام 2004 و 2008 و 2013، وشارك فى اجتماعات جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وفى العديد من المنتديات التى نظمتها الجامعة العربية مع كلّ من الصين وتركيا والاتحاد الأوروبى وروسيا.
رابط دائم: