المشهد فى تونس مفعم بالكثير من التطورات سوف تكشف عنها الأيام القادمة.ويشير ما حدث – فى الجانب الأكبر منه- إلى أزمة حركة النهضة الإسلامية التى تصدرت المشهد السياسى طيلة عقد كامل بعد ثورة الياسمين 2011، فشلت خلاله فى الإدارة الاقتصادية والسياسية للبلاد، وأسهمت فى تعقيد أوضاعها، وأعادتها اقتصاديا واجتماعيا خطوات للخلف. يدفعنا ذلك إلى التفكير فى الأسباب التى تؤدى دائما إلى فشل الحركات الإسلامية متى وصلت إلى الحكم؟. إذا سألت الإسلاميين أنفسهم هذا السؤال سوف تجد الإجابة الحاضرة هى الدولة العميقة، وتعنى أجهزة الدولة الإدارية والأمنية، وتشابكاتها على الصعيد المحلى التى تسعى دائما إلى إفشال التجربة الإسلامية من وجهة نظرهم. وقد يزيد البعض منهم على ذلك بالحديث عن القوى الإقليمية الرافضة للحكم باسم الإسلام، ويستطرد فى الكلام عن القوى الدولية، أو الغرب أو قوى الاستكبار الدولى التى ترفض الحركات الإسلامية، رغم أن الغرب أصبح الطرف الأساسى الذى يدافع عن الإسلام السياسى باسم الديمقراطية و التنوع، والاستيعاب، وخلافه. ويستقوى الإسلاميون بالغرب، مثلما يستقوون بقوى إقليمية. ولنا فى ردود الأفعال الغربية تجاه تطورات تونس، وقبلها مصر منذ عام 2013 العبرة والمثل. إذن تلقى اجابات الإسلاميين باللائمة على الغير تعبيرا عن المظلومية الدائمة لديهم، فى حين أن أسباب فشلهم تنبع فى الأساس من طريقة تفكيرهم، وأسلوبهم فى ممارسة السياسة. يمكن أن نسجل هنا فقط ثمانية اسباب، فى حين أن البيان الكامل للأسباب قد يطول عن ذلك.
أولا: الإسلام السياسى لا يعرف الفكر، ويعتمد فى الأساس على الحشد الميكانيكى للجمهور باستخدام الشعارات الدينية. ويعنى غياب الفكر عدم وجود برنامج أو أفكار للتقدم أو مقترحات سياسات أو مشروعات مستقبلية، كل ما ينشغل به الإسلاميون هو الاستحواذ على السلطة، وإقصاء الآخرين منها.
ثانيا: مفهوم الدولة غير متجذر لدى الإسلام السياسي، هو مفهوم غائم، يعتبره أحيانا مناهضا لفكرة الأمة بمعناها الواسع، أو ينظر إلى الدولة على أنها أداة يجب الاستيلاء عليها توطئة للهيمنة على المجتمع بأسره، أو يسعى إلى تحطيمها حتى يتسنى للجماعة الدينية توجيه الموارد العامة لخدمة أغراضها.
ثالثا: لا تعرف الفصائل الإسلامية مفهوم «رجل الدولة» بمعناه الحقيقي، ربما لانها ترفض الدولة ذاتها، فضلا عن أن أسلوبها فى تربية كوادرها يسفر عن دعاة، وكوادر تنظيمية لتعبئة الناس، وأجيال تربت على السمع والطاعة لا تعرف التفكير النقدى أو إبداء الرأى المخالف، أو النقاش السياسى الحر.
رابعا: الحركة الإسلامية، بمعنى العضوية المغلقة، لها الأولوية على ما عداها. وهى بالتأكيد حركات عابرة للحدود، وتتخذ القرارات الأساسية فى الحكم خارج حدود الدولة أو انطلاقا من تفكير لا يتقيد بالمصلحة العامة للدولة، بل يأخذ فى اعتباره أممية الجماعة الدينية. وبالتالي، فإن حركة الأفكار والأموال والسياسات تحكمها قرارات أممية إسلامية وليست اعتبارات وطنية محضة.
خامسا: لا تعرف الحركات الإسلامية، مهما ادعت خلاف ذلك، مفهوم التوافق مع غيرها من القوى السياسية، كل ما تؤمن به هو منطق الغلبة وسياسات التمكين. وهى فى ذلك تنطلق من قناعات استعلائية على غيرها انطلاقا من اعتقادها بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة، أى ناصية الدين، أما غيرها فيحكمه الهوى العلمانى أو الليبرالى أو الاشتراكي، وجميعها أوصاف «غير مقدسة» تعبر – من وجهة نظرها- عن الدنس السياسى إن صح التعبير.
سادسا: يغلب على الحركات الإسلامية غياب الشفافية التى يقتضيها النقاش الحر للأطراف الفاعلة فى المجال العام. هى حركات باطنية، تردد فى الخفاء خطابا يختلف عما تقوله فى العلن، لديها أغراض، وخطط، وطموحات، وسيناريوهات القليل منها معلن، والكثير منها مخفي.
سابعا: يعانى الإسلام السياسى – إجمالا- من أزمة مع الآخر، أيا كان. المرأة، والمختلف دينيا، وأصحاب الاتجاهات السياسية المغايرة، والمثقفون، وغيرهم ممن تضعهم التيارات الإسلامية فى موقع العداء أو على أفضل تقدير تعتبرهم حجر عثرة فى سبيل المشروع الإسلامي.
ثامنا: تنظر الحركة الإسلامية إلى كل وظيفة عامة، إدارية أو سياسية، على المستويين القومى والمحلي، باعتبارها مكافأة لعضو منها أو موال لها، وبالتالى يحكمها الهوى الدينى وليس اعتبارات الكفاءة، وهى بذلك تمارس التمييز ضد كل فئات المجتمع، بل فى الحقيقة تعتبر التمييز أداتها فى الفرز والانتقاء، وفرض همينتها على مقدرات المجتمع. هذه بعض من أسباب فشل الإسلاميين فى الحكم، ولكن القائمة تطول.
لمزيد من مقالات د. سامح فوزى رابط دائم: