الديمقراطية نظام فاشل، أقولها و«أجرى على الله»!
لا هى دين، ولا عقيدة، ولا مذهب، مجرد نظام مهترئ مليء بالثقوب، تسوء سمعته يوما بعد آخر، وفى بلد بعد بلد، بعد أن صارت الكلمة شعارا كاذبا، وستارا خادعا لتغييرات غير شريفة، بل ومبررا لوصول قتلة وإرهابيين وفاسدين و«معاتيه» إلى السلطة، وهى، فى أحسن الأحوال، لا تناسبنا، ولا نناسبها، ولا تلزمنا، وكفرنا بها، كما كفرنا بأفكار «الثورة» و«التغيير» و«الربيع»!
بالديمقراطية، جاء هتلر ويورج هايدر وجورج دبليو بوش وبلير وأوباما وترامب وآبى أحمد إلى السلطة, وبالديمقراطية أيضا، جاء كل حكام إسرائيل، تشكيلة رائعة من السفاحين والفاسدين ومجرمى الحرب، من شامير إلى شارون إلى أولمرت إلى نيتانياهو!
طيب، ماذا فعلت الديمقراطية فى عالمنا العربي؟ لم تأت إلا بالإخوان فى مصر، وبحماس فى غزة، وبالنهضة فى تونس، ومن قبلهم جبهة الإنقاذ فى الجزائر، وفى السودان، تمسح بها البشير، وفى الأردن والعراق، جاءت بمتشددين إلى البرلمان، وفى سوريا، كادت تأتى بداعش، وفى عالمنا الإسلامى، جاءت بأردوغان فى تركيا، وقدمت وتقدم مبررا شرعيا لبقاء نظام الملالى فى إيران.
طيب، ماذا فعلت الديمقراطية فى الدول ذات التركيبة الطائفية؟ ماذا حدث للعراق؟ بل ماذا حدث للبنان؟ برافو يا «ديمقراطية»؟
بالله عليكم، هل الإطاحة بأمثال هؤلاء تعد «انقلابا» أو «ثورة مضادة»، أم تصحيحا لمسار، واتقاء لشرور وكوارث؟ كيف أزاحت أمريكا ترامب عن السلطة إذن؟
طبعا «مطبلاتية» الديمقراطية و«المنبهرون» العرب، يقولون إن الديمقراطية النظام الأمثل، لماذا؟ لأنهم يرونها «أفضل الخيارات»، ولأنها تصحح أخطاءها، ولأنها تأتى بالاستقرار والرخاء والتنمية، ومع ذلك، فالحقيقة الساطعة أمامنا أننا لم نر لها أى «كرامات» فى منطقتنا، ولا فى إفريقيا، ولا فى أغلب دول أمريكا الجنوبية، كما أنها ليست مرادفا للاستقرار السياسى أبدا، ولا للنمو الاقتصادى، بدليل الصين وروسيا ودول الخليج!
ربما يكون الوضع مختلفا، وأفضل حالا نسبيا، فى دول أوروبا الغربية، حيث الفرد هو نواة المجتمع، ويستطيع أن يتخذ قراره بنفسه، ويصوت لمن يراه الأفضل أو الأنسب لعقله ومزاجه، وبخاصة بفضل ما يتمتع به من رفاهية نسبية وتعليم معقول، بعد عقود من النهضة التى صنعتها سرقات عصر الاستعمار، بينما فى مجتمعاتنا، نواة المجتمع هى الأسرة، وأحيانا القبيلة، وأحيانا القرية بأكملها، أو الطائفة، ولا وجود للفرد وحده، ولا استقلالية فى قراره الانتخابى، ولذلك، يأتى التصويت فى الاستحقاقات الانتخابية دائما فى بلادنا «جمعيا»، وعشائريا، كما أن الفقر والجهل و«العوز»، يزيدون الطين بلة، فيصبح من ينجح فى أى استحقاق انتخابى، ليس هو الأصلح، بل من يدفع أكثر، ويكذب أكثر، ويتجمل أكثر، أو من يتشح برداء الدين، وهذا ما حدث ويحدث وسيحدث.
أى ديمقراطية هذه التى تساوى بين من يعلمون ومن لا يعلمون، فيصبح لكل منهما صوت مستقل يحسم مصير أمة؟ من وضع هذا النظام؟ هل مصائر الأوطان «ترابيزة» قمار، أو لعبة «بخت»، كما حدث فى استفتاء «البريكست»؟
أى ديمقراطية هذه التى يرتدى فيها شخص ما بدلة وكرافتة ويجول على ناخبيه الذين لم يرهم من قبل ليقول لهم «انتخبونى» و«أنا خير من يمثلكم»؟ هل الساعى للمنصب يصلح للمنصب؟ وهل طالب الحكم يصلح للحكم؟! هل عدم وجود بديل للديمقراطية مبرر شرعى لتأليهها؟
الحكم لا يؤخذ إلا كما قال «شوقي»: «وعلمنا بناء المجد حتى أخذنا إمرة الأرض اغتصابا»، ومن لديه رأى آخر، فليتفضل!
«بتوع الديمقراطية» صدعونا لسنوات بـ«الياسمين» و«الإجابة تونس»، إلى أن سقطت تونس منذ 2011 وحتى يومنا هذا فى أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية مخجلة لا تليق بهذا البلد الجميل الراقى، فتحول «الياسمين» إلى «فنكوش»، تماما كمشروع النهضة فى مصر، ومشروع التغيير فى العراق، ومشروع «الربيع» المخابراتى فى منطقتنا بأكملها، فكان من الضرورى أن تأتى 30 يونيو «تونسية»، وأن نقول بعلو الصوت إن «الإجابة تونس»، مثلما قلنا ونردد منذ سنوات إن «الإجابة مصر»، فما حدث عندنا فى 30 يونيو 2013 لم يكن هينا، ولا حدثا عابرا، بل كان هجوما مضادا و«انتحاريا» فى حرب شاملة، وتصديا بطوليا لعدوان شرس، وفى أبسط التفسيرات، كان تصحيحا لكارثة تسببنا فيها بأنفسنا، تماما مثلما كانت حرب أكتوبر 73 تصحيحا لنكبة تسببنا فيها بأنفسنا أيضا فى 67.
نصيحة أخوية: على شعب تونس ألا يتصرف بديمقراطية مع «النصابين» باسم الديمقراطية!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: