سميكة والتونى فى قائمة الأبطال.. ونصير نجم من ذهب
لمصر مع الأوليمبياد تاريخ حافل يستحق إعادة الزيارة والمراجعة، خاصة وفقا لتوثيق صحيفة «الأهرام» التى كانت تمنح الحدث اهتماما خاصا وتغطية مميزة.
وبمراجعة أعداد «الأهرام» يتضح تألق أبطال مصر خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات مرورا بما سمى «دورة التقشف» لأوليمبياد 1948 فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، فيما شهدت الخمسينيات والستينيات إنجازات أكثر محدودية، لكنها شهدت أيضا حوارا مجتمعيا ورسميا جادا عن ضرورة وضع خطة فعالة لتحقيق حضور أقوى لمصر فى الأوليمبياد وضمان انتهاء ذلك الحضور إلى إنجازات ملموسة تليق بتاريخ وحاضر الرياضى المصرى.
وبمتابعة سجل الأولمبياد المصرى كما وثقته «الأهرام» كان ما يلى:
العشرينيات.. تألق «الألعاب الفرعونية» ونصيحة المدرب تطيح بمختار حسين
شهد عام 1928 إحراز مصر عددا من الميداليات، ولفت أنظار العالم إلى إنجاز الرياضى المصرى. وإجمالا، اتسمت هذه الدورة بالخصوصية ونالت اهتماما إعلاميا وسياسيا واسعا، فقد كان هناك مطالبات بوقف الألعاب الأوليمبية، كما أن الدورة نفسها شهدت مشاركة المرأة لأول مرة فى فئة ألعاب القوى، فضلا عن عودة الرياضيين الألمان للمشاركة لأول مرة فى الأوليمبياد التى انقطعوا عنها طوال 16 عاما، فكانت إقامة دورة أمستردام الهولندية خلال فترة بين 17 مايو و12 أغسطس، نصرا كبيرا على عدة مستويات، لكن النصر المصرى كان أمرا آخر.
شهدت هذه الدورة تألقا مصريا خاصة على صعيد ما يسمى بالألعاب الفرعونية، نسبة إلى ألعاب القوى، وتحديدا المصارعة ورفع الأثقال، فضلا عن إحراز عدة ميداليات على صعيد رياضة الغطس. وإجمالى الرصيد المصرى فى أوليمبياد 1928 كان أربع ميداليات،بين الذهبية والفضية والبرونزية.
وبعد تغطية يومية مميزة لوقائع الدورة الرياضية، صدرت «الأهرام» بتاريخ 11 اغسطس 1928 بعنوان يثلج الصدور وهو «نجاح باهر للبعثة المصرية» وتضمن التقرير استعراض نتائج رياضة السباحة والغطس، وما كان من تحقيق فريد سميكة (1907 ــ 1943) ميداليتين فضية وبرونزية، وذلك كالتالي: «كان الفائز فى سباق بالوثب من لوح (السوسطة) سميكة، وكان الثانى فى الشوط قبل النهائى وله الحق فى النهائى».
وأشارت الأهرام إلى ما كان من فوز اللاعب إبراهيم مصطفى (1904 ــ 1968) بالميدالية الذهبية فى رياضة المصارعة الرومانية وذلك فى فئة وزن خفيف ثقيل. ولم تتوقف انتصارات مصر لهذه الدورة عند ذلك الحد، فيذكر مراسل الأهرام فى التقرير نفسه إنجازات الرياضى الكبير السيد نصير (1905-1977) فى رياضة رفع الأثقال وذلك تحت عنوان فرعى «مجهودات السيد نصير» وجاء ما يلى: «وأنى لا أستطيع أن أصف ما عمنى وعم أخوانى الرياضيين المصريين من السرور والفرح، عندما فاز السيد نصير ببطولة العالم فى «وزن خفيف ثقيل» على أنه لما يذكر لهذا النابغة ولمصر بالفخر العظيم هذه المجهودات العظيمة والنتيجة السارة التى حصلت عليها مصر فى شخص نصير، ولأسجل هذا على صفحات الأهرام، أذكر المجهودات الآتية: كان فى وزن نصير من المنافسين 17 حمالا للأثقال أحسنهم كان من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمجر، وأما نصير فكان من بداية لعبه مشجعا من الجميع خصوصا أنه كان دائما يبتسم.. حصل نصير على 355 درجة فى مجموعة رفعاته الثلاث، بيد أن الثانى وهو من أبطال العالم المشار لهم بالبنان كان الفرنسى المعروف (هوستين) الذى نال 353 درجة ونصف الدرجة فقط على أن الكل كانوا واثقين من فوزه على أبطال العالم.
وغدا فى الإستاد الأكبر بينما يترص الفائزون يرتفع العلم المصرى، فتصدح الموسيقى بالسلام الملكى المصرى إجلالا بفوز نصير المصرى العظيم. وهى نتيجة فخرية باهرة نالتها مصر لأول مرة فى التاريخ الأوليمبى الحديث».
وكشفت «الأهرام» عن تعثر فرص الرباعى مختار حسين الذى اتبع نصيحة مدربه فى إنقاص وزنه ليدخل مع أبطال الوزن المتوسط، لكن وزنه تدنى إلى حد أضعف قدراته ولم يستطع تحقيق أى إنجاز، وذلك مع تعليق مراسل الأهرام متمنيا لو كان مختار حسين حافظ على وزنه وفئته «خفيف ثقيل» لكان أحرز على الأقل المرتبة الثالثة، مختتما تقريره بالقول: «وعلى كل حال، فقد كان هذا درسا قاسيا على مختار ولعله يفيد للمستقبل».
فريد سميكة
الثلاثينيات.. تألق غير عادى لأبطال رفع الأثقال.. والتونى يحطم حلم هتلر
بتاريخ 25 أغسطس عام 1936، كانت الدورة الأوليمبية لهذا العام التى جرت فى مدينة برلين الألمانية قد انقضت بالفعل.
ولم يكن العالم يدرك وقتها أن ألمانيا نفسها وزعيمها وقتها أدولف هتلر سيصبحان السبب فى اشتعال العالم بنيران الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وتعليق الألعاب الأوليمبية حتى عام 1948. جرت هذه الدورة بين 1و16 أغسطس، وكان هدف النظام الألمانى النازى من وراء استضافتها، إثبات تفوق الجنس الآرى وإثبات قوة وثبات ألمانيا تحت قيادته.
واضطرت القيادة الألمانية وقتها لتقديم تعهدات أمام لجنة الألعاب الأوليمبية، بعدم استهداف والإضرار بأى من الرياضيين المنتمين لمجموعات عرقية يعتبرهم العرق الآرى أدنى مرتبة.
وبرغم ذلك لم تفلت تلك الدورة من تسميتها السلبية «الأوليمبياد النازية».
وبعد ختامها، نشرت الأهرام تحت عنوان «اليوم يصل الأبطال وغير الأبطال» ما يلي: «يصل الفريق المصرى متوجا فخورا بما ناله من انتصارات مدهشة على أيدى رباعينا الجبابرة: خضر وأنور وصالح وشمس، أولئك الأبطال الذين أسمعوا نشيدنا مختلف الأمم. أولئك الذين رفعوا رايتنا عالية فوق رايات الأمم. أولئك الذين قاموا لوطننا بخير دعاية بين الأمم. أولئك الذين لولاهم ما نالت مصر نصرا بين الأمم. يصل هؤلاء فلنرفعهم فوق الرءوس ولنذكرهم دائما ولنسجل أسماءهم فى سجل تاريخ مصر الحديث».
ويعكس هذا الاستقبال الحار فخر المصريين بالخبر الذى زفته الأهرام فى عددها الصادر بتاريخ 6 أغسطس تحت عنوان: «فوز مصر بالميدالية الذهبية فى ألعاب الحديد للوزن المتوسط» وجاء فيه: «ابتدأت ألعاب الحديد للوزن المتوسط اليوم الساعة السادسة مساء وقد ضرب التونى الرقم العالمى فى الضغط بمقدار 5.5 كيلوجرام إذ رفع 117.5 كيلوجرام ورفع فى الخطف 120 كيلوجراما أى رقمه العالمى وفى النطر رفع 150 كيلوجراما وأراد ضرب الرقم القياسى وهو 152 كيلو جراما برفع 155 كيلوجراما، لكن الحظ لم يساعده وكان مجموعه 387.8 كيلوجرام.
وكان الثانى أزماير الألمانى ومجموعه 352.5 درجة والثالث ألمانى أيضا.
وقد حضر الزعيم هتلر الحفلة وصفق للتونى عندما أعلن أنه البطل والفائز بالميدالية الذهبية».
والفائز المقصود هو خضر التونى (1916-1956) الذى نال من حلم هتلر فى دورة 1936 الأوليمبية، عندما جاء بالمرتبة الأولى سابقا على رياضيية الألمان.
ولم يكن التونى فى إنجازه وحيدا، إذا فاز أنور مصباح (1913-1998) بذهبية رفع الأثقال للوزن الخفيف.
كما نال صالح سليمان الميدالية الفضية فى رفع الأثقال وزن الريشة، وخرج الرباع إبراهيم شمس (1917- 2001) بالميدالية البرونزية، وكذلك كان نصيب الرباع إبراهيم واصف (1908-1975).
خضر التوني
الأربعينيات.. رقم عالمى وأوليمبى للرباع محمود فياض
كانت دورة الألعاب الأوليمبية فى لندن 1948، من علامات عودة العالم إلى وضعه الطبيعى بعد سنوات الحرب العالمية الثانية التلى أدت إلى توقف الأوليمبياد طوال 12 عاما، عرفت تلك الدورة التى حملت رقم 14، بلقب «أوليمبياد التقشف»، نظرا لانخفاض الميزانية المخصصة لها، لكنها شهدت مشاركة قياسية بحضور 59 دولة، بزيادة 10 دول عن أوليمبياد برلين 1936. وأعلن الملك جورج السادس، افتتاح فعاليتها فى 29 يوليو 1948 بإستاد «ويمبلى» ونقلت مبارياتها لأول مرة على شاشات التليفزيون.
وقد واجهت البعثة الأوليمبية المصرية كثيرا من الأزمات خلال هذه الدورة، وذلك كما رصدتها الأهرام بتاريخ 4 أغسطس 1948، تحت عنوان: «فوز مصر فى مباريات المصارعة والسلاح» و«تعمد الإساءة لمصر» وجاء فيه: «لزم سوء الحظ الفريق المصرى الأوليمبى فى هذه الدورة، فمن تعنت بعض الحكام ضده، إلى إقصاء بعض أبطاله من المباريات بحجة أخطائهم فى اللعب.
كما حدث فى مباريات كرة الماء، أو بحجة عدم موافقة أوزانهم للأوزان المقررة.
كما حدث مع أبطال المصارعة، مما أضعف الفرق المصرية.
وكان الفريق الأوليمبى يقيم فى كليه توبكنجهام الواقعة على بعد 21 كيلو مترا قرب لندن، لكنه لم يجد فيها وسائل الراحة الكافية حتى إن البعض كان يتندر فى ذلك بقوله إنه ذاهب إلى الحمام فى سيارة أجرة!.
وبتاريخ 12 أغسطس، أوردت الأهرام ما كان من منافسة شرسة خاضها بطل مصر فى رفع الأثقال خضر التونى رغم الأزمة الصحية التى مر بها.
وذكرت أن «التونى تساوى مع كيم بطل كوريا فى مجموع الرفعات، وهو 380 كيلوجراما، إلا أن اللجنة اعتبرت كيم الثالث وخضر التونى الرابع بسب نقص وزن كيم عن التوني».
لكن تلك الصعوبات لم تنل من عزيمة الفرق المصرية، فقد أبرزت الأهرام بتاريخ 10 أغسطس، نجاح اللاعب محمود فياض (1925- 2002) فى تحطيم الرقم القياسى الأوليمبى فى رفع الأثقال وذلك تحت عنوان: «مصرى باهر فى رفع الأثقال» وذكرت: «حطم البطل المصرى محمود فياض الرقم القياسى العالمى والرقم القياسى الأوليمبى فى رفع الأثقال، فقد تمكن من رفع 105 كيلوجرامات خطفا، ففاز بالبطولة العالمية والبطولة الأوليمبية فى الوقت نفسه. وللعلم نذكر أن الرقم القياسى العالمى هو 102.5كيلوجرام والرقم الأوليمبى هو 97.5 كيلوجرام».
ثم زفت «الأهرام» فى عددها الصادر بتاريخ 13 أغسطس نبأ فوز الرباع إبراهيم شمس (1917-2001) بالميدالية الذهبية فى رفع الأثقال وزن خفيف، محطما الرقم القياسى برفعه 115 كيلوجراما خطفا.
وتفوق شمس بذلك على زميله ومواطنه محمد عطية (1914-1992) بحصوله على الميدالية الفضية، وذلك رغم رفعه ذات وزن رفعات شمس، ولكن الأخير تفوق لكونه أقل وزنا.
وعلقت الأهرام: «وحسم وزن شمس الذهبية لمصلحته بينما ترك الدموع والفضية لعطية والفرحة لكل المصريين بهذا الانتصار المزدوج».
وفى الدورة نفسها، فاز محمود حسن (1919- 1998) بفضية المصارعة، وإبراهيم عرابى (مواليد 1912) بالميدالية البرونزية فى اللعبة نفسها، لتحصد مصر فى تلك الدورة خمس ميداليات وتحتل المرتبة الـ 13 بين الدول المشاركة.
محمود فياض
الخمسينيات.. عبدالعال ينال برونزية المصارعة
فى دورة هلسنكى بفنلندا التى قامت خلال الفترة بين 19 يوليو إلي13 أغسطس عام 1952، جاء الإنجاز المصرى محدودا، وذلك بتحقيق الميدالية البرونزية فى المصارعة الرومانية وزن الريشة. وذكرت «الأهرام» بهذا الخصوص فى عددها الصادر بتاريخ 29 يوليو: «الحق أن راشد كان قد فقد كل أمل فى الفوز بأية ميدالية تفضل الميدالية البرونزية التى فاز بها عندما تغلب عليه المصارع الروسى جاكوب بونكين بعد ثلاث دقائق و28 ثانية.
وكان بونكين أقل من خصمه فى النقط بعد أن مضت ثلاثون ثانية من المباراة، لكنه استطاع فى الدقيقة الثانية أن يمسك راشد مسكة نيلسون المزدوجة وأن ينزل به إلى البساط، ولكن راشد استطاع أن يقوم بعمل كوبرى مدة أربعين ثانية تقريبا، وأخيرا اضطره إلى الاستسلام فغلب بالكتف.
وكان راشد قد ضمن لنفسه فى يوم السبت المرتبة الثالثة على الأقل، عندما تغلب على أرلكى تولوريز الفنلندى بالنقط، لكن أمله فى الميدالية الذهبية سرعان ما تبخر عندما تغلب عليه ايميرى بلياك المجرى بالنقط».
وشهدت هذه الدورة وقائع عديدة لحضور قوى، لكن دون ميداليات، للفرق المصرية بمختلف الألعاب، ولعل من اللافت أن هذه الدورة شهدت أول ما وصفته «الأهرام» بأول مصرى يشترك فى المارثون.
وأشارت «الأهرام» إلى أن «كان حسن عبدالفتاح أول مصرى يشترك فى سباق الماراثون الأوليمبى الذى تبلغ مسافته 42 كيلو و115 مترا.
وقد حيته الجماهير الغفيرة التى حضرت المبارة - وكان عددها يشرف على 70 ألف متفرج ــ بالهتاف والتصفيق وهو يمر بخط النهاية.
وكان ترتيبه الحادى والخمسين من 68 متسابقا وقد قطع المسافة فى ساعتين و 56 دقيقة و51 ثانية».
عبدالعال راشد
الستينيات.. نتائج هزيلة فى روما و«الأهرام» يطالب بسياسة ثابتة لرفع المستوى
فى الستينيات جاءت مشاركة مصر فى دورة روما عام 1960، وذلك بعد انسحابها من دورة ملبورن عام 1956. وحققت مصر فى دورة روما التى جرت فى الفترة بين 25 أغسطس و11 سبتمبر بمشاركة 83 دولة، ميدالية وحيدة وهى الميدالية الفضية التى اقتنصها اللاعب عثمان سيد (1930-2013) فى رياضة المصارعة.
وكان الصحفى الرياضى الكبير نجيب المستكاوى قد كتب من روما عن عثمان فى عدد الأهرام الصادر بتاريخ الأول من سبتمبر 1960، مؤكدا أنه من أهم المرشحين الرئيسيين لنيل ميداليات أوليمبية لهذه الدورة.
وخلال الستينيات، فتح «الأهرام» باب المناقشة حول سبل تجاوز أزمة الإنجاز المحدود فى الأوليمبياد وذلك تحت عنوان "برنامج 8 سنوات للإعداد الأوليمبى.. المستويات الهزيلة فى كثير من اللعبات يجب أن نرسم سياسة ثابتة لرفعها.
ولفت «تقرير الأهرام» النظر إلى أن هناك بعض الرياضات ومسابقاتها الأوليمبية التى يكاد الجمهور المصرى لا يعرف عنها شيئا مثل سباق الدراجات، وذلك لعدم وجود اهتمام ومشاركة مصرية بها.
وكانت مصر وقتها تخطط للتقدم بطلب لاستضافة أوليمبياد 1968، وعلقت «الأهرام» يومها بأن السنوات الثمانى الباقية «تكفى بالعافية» لإعداد لاعبين جديرين بالمنافسة الأوليمبية الفعلية واقتناص الميداليات، وهو ما سعت له مصر لاحقا.
رابط دائم: