رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر أم الدنيا «23».. الملك سيتى وأم سيتى

ونطوى صفحة أخرى من تاريخ أجدادنا العظام ليحكى التاريخ عن الدولة الحديثة فى فترة الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، والتى بدأت بتولى رمسيس الأول، ولم يجلس سوى ستة عشر شهراً ثم توفى وجلس ابنه سيتى الأول، وهو من أشهر الملوك المحاربين العظام. وكان ضابطاً فى الجيش تحت قيادة حور محب، لذلك ما إن جلس على العرش حتى قاد جيشه لاستعادة المناطق المتمردة والتى أعلنت الانفصال فى الشام فأعاد قادش ومملكة الأموريين وفلسطين، وكان الحيثيون قد فرضوا نفوذهم على مناطق خاضعة لمصر فحاربهم فانسحبوا منهزمين. وبنى القلاع العسكرية على الحدود المصرية، كما اهتم بالبناء والعمارة فأصلح معابد أمون فى طيبة، وبنى بهو الأعمدة، وصرحاً فى الكرنك نقش عليه انتصاراته. وبنى معبد القرنة الجنائزى غرب طيبة عند مدخل وادى الملوك وله مسلة تدعى فلامينوس فى روما الآن.

واكتشف مناجم الفيروز فى سيناء، ومناجم الذهب فى النوبة، ومناجم الصحراء الشرقية. ويرجع إليه أقدم خريطة جيولوجية فى العالم مسجلة على بردية محفوظة الآن فى تورينو يصور فيها مناجم الذهب. وبنى مقبرة له فى وادى الملوك تعد من أجمل المقابر الملكية وتحتفظ حتى اليوم بألوانها الزاهية. واهتم بمبانى معابد هليوبوليس وكان له فيها قصر كبير، ولكن أعظم أعماله كانت معبد الأوزديون بأبيدوس. وهى مدينة غرب البلينا بسوهاج وكانت إحدى عواصم مصر فى عصر ما قبل الأسر وكانت تعدـ مدينة مقدسة ومركزاً لعبادة أوزوريس. ويطلق عليها الآن العرابة المدفونة وبها أقدم سفن فى التاريخ. والمعبد الذى فيها أعظم المعابد المصرية القديمة فقد أبدع الفنانون فى رسم جدرانه ولا تزال الألوان والرسومات على حالها. وترجع قيمته التاريخية لأنه قد كتب على أحد جدرانه ما يسمى بقائمة العرابة وتشمل ملوك مصر من مينا حتى سيتى الأول وبها خمسة وسبعون ملكاً ولكنه لم يدون فيها حتشبسوت ولا أخناتون.

وتوجد قصة فى العصر الحديث مرتبطة بهذا الملك وهى لامرأة اشتهرت باسم أم سيتي.والقصة لفتاة صغيرة اسمها دوروثى ولدت عام 1904 فى ضاحية جنوب لندن لأبوين من أصل إيرلندي. وحين بلغت الثالثة من عمرها سقطت من السلم ليرتطم رأسها بالأرض ودخلت فى غيبوبة وفارقت الحياة. وبينما كانوا يجهزونها للدفن فتحت عينيها ونظرت باستغراب وقالت: أريد أن أعود إلى بيتي، وبدأت تقول كلمات غير مفهومة. وأرجع الأطباء هذا إلى الصدمة ومع الوقت ستتعافى. وبعد عام أخذها أبوها إلى المتحف البريطانى فجرت الطفلة نحو الآثار المصرية القديمة وأخذت تقبل أقدام تماثيل الملوك المصريين وتصرخ أجدادى ووطنى فأخذها أبوها بسرعة وخرج. وفى سن العاشرة بدأت تقص عليهم أحلام غريبة لفراعنة وملوك يحدثونها خاصة الملك سيتى وكانت تقوم من النوم وهى تصرخ باسمه. وانتقلت الأسرة عام 1927 إلى لندن واتجهت دوروثى إلى دراسة اللغة المصرية القديمة والفن المصري، وبدأت تقص أحلامها وما تراه فأدخلوها مصحة نفسية ولكنهم لم يلاحظوا عليها أى مرض نفسى فخرجت. وفى سن السابعة والعشرين عملت فى مجلة العلاقات المصرية وكتبت مقالات تطالب المملكة الإنجليزية بالجلاء عن مصر. وفى هذه الفترة تقابلت مع طالب مصرى اسمه إمام عبد المجيد الذى كان يدرس اللغة الإنجليزية وتزوجا وعادا إلى مصر، وحين وصلت قبلت الأرض. وبدأت لمدة سنة تقوم من النوم وتحكى عن رجوعها إلى زمن الملك سيتى الأول «1290-1279ق.م»، وان اسمها بنيتر يشيت أى قيثارة الروح. وان أبوها جنديا فقيرا وأمها بائعة خضار التى حين ماتت وهى طفلة نذرها أبوها إلى معبد أبيدوس. وحين كبرت سألها الكاهن الأعظم: هل تريد أن تتزوج أم تصير نذيرة المعبد؟، فاختارت أن تكون نذيرة. ولكن فى إحدى زيارات الملك سيتى رآها وأعجب بها وصارت عشيقته وحملت منه. فذهبت إلى الكاهن الأعظم تحكى له ما حدث، فقال لها: إن هذه القصة حين تُعرف سيحكم عليك بالموت وستسىء إلى الملك سيتي، فانتحرت حتى لا تسىء إلى الملك. وكانت تحكى هذه القصص لزوجها الـذى أنجبت منه ابنها سيتي، ولكن عام 1935 انفصلت عنه حين أخبرها أنه سيعمل فى العراق فرفضت أن تترك مصر وذهبت لتعيش فى نزلة السمان. وكانت يومياً تذهب إلى الهرم مرتين تمارس طقوسا غريبة باللغة المصرية القديمة. وتقابل معها العالم الكبير سليم حسن الذى كان قد بدأ فى التنقيب فى منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة وقد اكتشف مائتى مقبرة، وعين وكيلاً لمصلحة الآثار فاهتم أن تساعده دوروثى وقد ساعدته فى عمله كثيراً لإتقانها المصرية القديمة, بجانب مساعدتها له فى التنقيب عن الآثار، وشاركت فى رسومات الموسوعة الكبيرة التى كتبها عن مصر القديمة. كما عملت أيضاً مع الدكتور أحمد فخرى الملقب براهب الصحراء.

وفى عام 1956م قررت أن تترك كل شيء وتعيش فى أبيدوس وعرفت بالست أم سيتى وكانت لا تزال تعمل فى هيئة الآثار؛ وساعدت فريق الآثار فى اكتشاف حديقة معبد أبيدوس والعديد من الحفريات هناك.وكانت مصدراً لكثير من الأثريين. وأنتجت قناة «B.B.C» فيلماً وثائقياً عنها، وتوفيت فى أبريل عام 1981 لتترك قصة من غرائب الزمن والحقيقة الثابتة فيها أن مصر هى أم الدنيا.


لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس

رابط دائم: