رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«مِين» يصالـــح التعليـــم.. علــى ســـوق العمـــــل؟!

فى سلسلة مقالاته الرائعة المهمة الملهمة بجريدة الوطن.. كتب الأستاذ الدكتور محمد صفى الدين خربوش وزير الشباب الأسبق.. الحلقة الـ11 تحت عنوان: رؤيتى لبلادى.. مصر فوق السحاب.. عن التعليم الجامعى.. وضرورة إعادة النظر فى كثير مما ورثناه عن الرواد الأوائل للتعليم الجامعى فى مصر.. مستعرضًا تاريخ إنشاء الجامعات.. مشيرًا إلى أن ما تم إنشاؤه من كليات بداية من النصف الأول للقرن الـ19 مرورًا بالنصف الأخير من القرن العشرين وحتى مطلع القرن الـ21.. هو تكرار لنفس الأقسام ونفس التخصصات.. رغم أن الفارق الزمنى مابين بداية إنشاء أول جامعة وحتى الآن تخطى الـ100 سنة!.

وحول هذه النقطة يقول صفى الدين خربوش: «ومن المثير للدهشة أن المسميات الموروثة لبعض الكليات فى الجامعات المصرية لا تعبر بدقة عن التخصص العلمى الذى تقدمه لطلابها، وتعتبر كليات التجارة والحقوق من أبرز الأمثلة على ذلك، بالإضافة إلى كليات الآداب».

وأضاف سيادته قائلًا: وقد كانت الجامعات فى معظم الدول العربية، والتى أنشئت بعد الجامعات المصرية بفترة ليست بالقصيرة، أكثر دقة فى تسمية كلياتها. يطلق على كليات الحقوق كليات القانون، وهو التعبير الدقيق عن التخصّص العلمى، حيث تضم هذه الكليات تخصّصات علمية يتخصص فيها الأساتذة والطلاب مثل القانون المدنى والقانون التجارى والقانون الدولى والقانون الإدارى والقانون الدستورى وغيرها.

واختتم د. خربوش كلامه بثمانية مقترحات لوقف التدهور القائم.. أهمها فى اعتقادى التى تشير إلى مراعاة متطلبات سوق العمل محليًا وإقليميًا وعالميًا!.

انتهى كلام د. خربوش ويقينى أنه إشارة إلى قضية بالغة الخطورة!. التخصصات العلمية ومناهجها التى يدرسها شبابنا.. وعلاقتها بسوق العمل واحتياجاته!.

الحقيقة أن استخدام كلمة علاقة فى هذه القضية.. خطأ فادح لأنه لا توجد أى علاقة من أى نوع بين التعليم والعمل.. وأبسط دليل ما أشار إليه د. خربوش بأن أسماء الكليات والأقسام والتخصصات.. على حَطِّة إيدك من 100 سنة!. الدنيا اتغيرت جذريًا فى كل التخصصات النظرية والعملية.. وبالتالى احتياجات سوق العمل تغيرت وتتغير جذريًا!.

حول هذه النقطة سألت الدكتور أشرف المصرى خبير التطوير المؤسسى.. قال: التقرير الصادر عن المؤتمر الاقتصادى لصندوق النقد الدولى لعام 2020.. جاء تحت عنوان.. بحث وظائف المستقبل سنة 2020.. التقرير استعرض الوظائف المتوقع زيادة الطلب عليها والوظائف المنتظر عدم الإقبال عليها.. خلال السنوات الخمس المقبلة!.

التقرير استعرض 20 وظيفة من التى سيزيد الإقبال عليها.. وكلها مرتبطة بالتحول الرقمى أو التحول التكنولوجى والإلكترونى الذى يتجه إليه العالم بشكل جبار!.

التحول الرقمى معناه.. كل شىء يتم التعامل معه إلكترونيًا.. يعنى كل المعاملات تتم إلكترونيًا.. «يعنى مفيش ورق».. وبالتليفون المحمول.. تعمل توكيل وتطلع رخصة وتحول فلوس وتقرأ أى صحيفة!.

«كده» أصبح التليفون الذى فى يدك يمكّنك من إجراء كل شىء فى التعاملات الإلكترونية.. لأنه ما من شىء.. إلا وعلى تليفونك معلومات عنه.. وحضرتك «صاحب التليفون» كل ما يخصك متاح وموجود على التليفون!.

الوظائف المتاحة فى السنوات الخمس المقبلة.. مرتبطة بالتحول الرقمى.. والوظائف التى ستغيب عنها الشمس.. كل ما ليس له علاقة بالخدمات الإلكترونية.. السكرتارية وخدمة العملاء وشئون العاملين.. إلى آخره!.

ويختتم د. أشرف المصرى كلامه قائلًا: شركة أمازون العالمية.. لم يعد لديها مندوبون يسلمون السلع التى اشتراها العملاء!.

الذى تعاقدت عليه.. يصل حتى باب المنزل.. بواسطة الطائرات المُسَيَّرة!.

...............................................

>> القطيعة التامة «إللى بين» التعليم وسوق العمل.. حتمًا لابد أن تنتهى.. ولابد أن يَكْبَر كلاهما للآخر إكرامًا لنا ورحمة بشبابنا ولإبقاء الأمل عند أطفالنا!.

نعمل قعدة عرب لأجل أن نصفى النفوس بينهما.. وسوق العمل يقول لنا إللى هو عايزه اليومين دول ولكام سنة قدام.. والتعليم ما يركبش دماغه!. يعدِّل مناهجه لأجل الشهادات تكون مطلوبة فى سوق العمل!.

إلى أن يحدث هذا.. ويقينى أنه سيحدث بإذن الله.. وتتواكب مناهج التعليم مع احتياجات سوق العمل.. هناك جانب مضىء فى القضية.. عند وزارة الشباب والرياضة.. فى إدارتها المركزية للمشروعات وتدريب الشباب!.

الإدارة المركزية للمشروعات وتدريب الشباب.. تقوم فعلًا بتدريب وتأهيل الشباب لسوق العمل.. ونشر ثقافة العمل الحر ومعاونة الشباب فى البدء الفورى لأى مشروع صغير.

الإدارة المركزية.. نجحت بامتياز فى تشغيل الشباب.. من خلال نشر الوظائف المتاحة إلكترونيًا للشباب على صفحة وزارة الشباب وصفحات التواصل الاجتماعى.. مع تنظيم أيام مفتوحة للتوظيف بالمحافظات.

الإدارة المركزية.. توصلت إلى حل عبقرى لتأهيل الشباب.. من خلال تعلم حرف ومهن مطلوبة فى سوق العمل.. هنا فى مصر وهناك فى أوروبا!. الإدارة بالتعاون مع أكاديمية السادات ومركزها للاستشارات والبحوث والتطوير.. باتت فرص تأهيل الشباب للعمل من خلال الخبراء المتخصصين متاحة لأى عدد من الشباب يرغب فى أن يتعلم مهنة أو حرفة!.

وزارة الشباب والرياضة.. وقعت فى آخر سنتين بروتوكولات مع اليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA).. كلها لأجل تأهيل الشباب للعمل.

ما أملك أن أقوله الآن: أن السيد وزير الشباب والرياضة د. أشرف صبحى.. يضع اللمسات الأخيرة.. لمشروع يتيح لشباب مصر.. تعلم مهن جديدة بمواصفات أوروبية!.

تبقى ملاحظة أظنها غائبة عن معظم شبابنا.. وهى أن سوق العمل فى حرف ومهن بعينها.. مطلوب بشدة الآن لتغطية الاستثمارات الهائلة فى مصر.. ومطلوب بأقصى الدرجات.. فى الغد.. ومن غير مصر والمصريين.. القادر على إعادة بناء سوريا والعراق وليبيا وغزة..؟.

من سيملأ الفراغ الناجم عن تراجع أعداد الشباب فى أوروبا.. مَنْ أحق مِنْ الشباب المصرى.. يقدر على ذلك؟.

على أى حال.. النفق المظلم بهذه القضية.. أطلقت فيه وزارة الشباب والرياضة طاقة نور تحمل آمالًا عريضة للشباب.. فى إيجاد فرص عمل حقيقية مجزية.. فيما لو غيّر الشباب وجهته.. بالتأهيل لوظيفة مهنية بالمواصفات الأوروبية!.

هذه الحكاية.. حكاية فكر وتخطيط وجهد وزير ووزارة وإدارات مركزية!. حكاية تنسيق رائع لوزارة مع كل وزارات مصر فى هذه القضية تحديدًا!. حكاية التعاون مع مؤسسات عالمية عملاقة والتنسيق مع المراكز البحثية المتخصصة وفى صدارتها مركز الاستشارات والبحوث والتطوير بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية!. الحكاية كلها نعرف تفاصيلها الأسبوع المقبل بإذن الله.

...............................................

>> الذى أريد تأكيده هنا.. هو استحالة أن نجد حلولًا جذرية لأزمة البطالة.. بدون التوافق التام المستمر.. بين من يضعون المناهج التعليمية.. وبين احتياجات سوق العمل المتغيرة فى كل المجالات.. وأيضًا!.

استحالة أن نصل إلى حل جذرى فى مشكلتنا المزمنة الزيادة السكانية.. دون أن نصارح أنفسنا.. ونعترف لأنفسنا.. بأن الزيادة السكانية مشكلتنا جميعًا.. الشعب قبل الحكومة!. مشكلتنا.. أنا وأنتِ وهو وهى!. مشكلة ثقافة وسلوك ووعى!. مشكلة وزارات عديدة وليست وزارة الصحة وحدها لمجرد أن اسمها.. الصحة والسكان!. مشكلة قوة مصر الناعمة.. الفيلم والمسلسل والأغنية والأدب والشعر!. مشكلة الإعلام المكتوب والمسموع والمرئى!.

باختصار.. مشكلتنا فى أغلب تصرفاتنا.. أننا فى الغالب نفكر على قديمه!.

أضرب مثالًا هنا بمشكلة الأمية!. هذه المشكلة مصر تحارب فيها من الخمسينيات.. والمضحك وشر البلية ما يضحك.. أن حكومات بلا عدد خاضت الحرب على الأمية.. هذه الحكومات توالت وبقيت الأمية.. بل ازدادت رغم البرامج والحملات!. معقول!.

آه والله معقول.. لأن المسألة ببساطة تتم وفقًا لمفهوم «على قديمه»!. نتقدم للخلف فى معركتنا ضد الأمية.. لأننا حافظين مش فاهمين.. وغالبًا فاهمين ومطنشين!. نطبق نفس الفكر الذى طبقناه زمان!. نطبقه.. لأنه يحقق الشكل وبلاها المضمون!.

الشكل.. هو أقصر الطرق لصناعة «اللقطة».. التى هى أهم شىء بالنسبة للمسئول الذى «همّه كله» الكرسى الجالس عليه!.

اللقطة.. صورة لفصل من فصول محو الأمية.. ناس كبار.. رجال وسيدات.. بيتعلموا الكتابة والقراءة!. الصورة دليل لا يكذب.. لكنه أبدًا لا ينجز.. وتبقى الحقيقة ناقصة!.

الحقيقة.. أننا لو قعدنا العمر كله نحارب الأمية بهذا الأسلوب.. لن نقضى عليها.. بل هى التى ستنتصر علينا!. كيف؟.

لأن أهم قرار فى مواجهة الأمية لم يُتخذ يومًا!.

القرار الأهم.. دراسة دقيقة يقدر عليها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.. من أصغر مكان لأكبر مكان.. لنعرف أعداد الأميين فى كل مكان على حدة!.

على ضوء هذه الدراسة.. تبدأ دراسة أخرى نعرف منها.. أسباب زيادة الأمية فى كل مكان به زيادة.. هل هى اقتصادية أى الطفل لم يدخل المدرسة أصلًا.. أو دخل وتسرب منها.. لظروف أسرته الاقتصادية.. وحاجتها إلى الدفع به إلى سوق العمل!. أم المسألة جهل بقيمة التعليم!. أم أن المسألة راجعة لعدم وجود مدرسة أصلًا فى القرية أو قريبة من القرية!. المهم.. أننا حددنا أسباب الأمية فى كل مكان.. وتحديد الأسباب بداية أى حل!.

بعد أن أصبحت أمامنا دراسة تقول لنا بالضبط أعداد الأميين والأسباب.. يصدر القرار الأهم على الإطلاق والذى يخصص الجانب الأكبر من الميزانية له!.

لو فرضنا أن الدراسة أفادت بأن عدد الأميين مثلًا ألف.. فالقرار الأهم فى الحرب على الأمية.. هو ألا يصبح هذا العدد «ألف وواحد»!. معركتنا الحقيقية ألا يزيد عدد الأميين مواطنًا واحدًا أيًا كانت الظروف!. إزاى؟.

نقفل المحبس.. محبس الأمية!. الدراسات عرفنا منها أعداد الأميين فى كل قرية.. والأسباب التى جعلتهم لا يتعلمون القراءة والكتابة.. ومن هنا تبدأ معركتنا وليس من فصول محو الأمية!. معركتنا ألا يزيد عدد الأميين مواطنًا واحدًا.. بأن نجد حلولًا للمشكلات التى تتسبب فى تسرب الأطفال من التعليم الإلزامى الذى هو حق لكل طفلة وطفل!.

محو الأمية يبدأ أولًا بمنع التسرب من التعليم!. هذا الأمر غير قائم.. ولذلك نحن نهدر وقتًا ونصرف مالًا .. لأن كل مواطن نمحو أميته يقابله عشرات الأطفال تركوا التعليم لأجل أن «يسوقوا التوكتوك»!.

...............................................

>> أعود مع حضراتكم لأزمتنا المستحكمة الكبرى الزيادة السكانية.. التى تركنا وزارة الصحة فيها وحيدة على خط النار تحارب الزيادة السكانية.. بموانع منع الحمل.. وكأن المشكلة فى الموانع!.

لابد أن تكون الزيادة السكانية معركة وطن بأكمله كلنا جنودها وكلنا رهن إشارتها!. الدولة دورها صناعة قاعدة بيانات حديثة تغطى كل متر أرض فى مصر.. أهم ما فى هذه البيانات.. تعداد كل قرية وكل نجع وكل كفر وكل عزبة وكل مدينة وكل حى داخل كل مدينة!. تعداد يشمل الأعداد والأعمار والوظائف والشهادات ومكان الإقامة للأسرة.. إن كان شقة فى منزل أو حجرة فى شقة.. إلى آخر كل المعلومات التى تعطينا صورة بالغة الدقة عن طبيعة المكان وطبيعة السكان!.

هذه الدراسة ستوضح لنا بصورة دقيقة.. الأماكن التى بها زيادة سكانية.. وفى وجود المعلومات التفصيلية الأخرى.. سنعرف أسباب الزيادة.. هل لأسباب ثقافية أم لأسباب دينية أم لأسباب اقتصادية!.

إذن الزيادة السكانية ليست أسبابها واحدة فى مصر كلها.. وتختلف ربما من قرية لأخرى!. مثلًا قرية.. السيطرة فيها «لأولياء أمر الدين».. الذين يفهمون أهالينا أن تنظيم النسل حرام.. ونسفوا القضية من جذورها!.

إذن المسألة أساسها الوعى وليس حبوب منع!.. الوعى المفقود يختلف من قرية لأخرى وفقًا للأسباب.. دينية كانت أو ثقافية أو اقتصادية!. والحل؟.

عندما يتعلق الأمر بالوعى.. فالمعركة هنا تتطلب المواجهة وجهًا لوجه.. بقدرة ومقدرة على الإقناع والإنصات.. يعنى ننزل إلى القرى والنجوع والكفور والعزب والمدن.. ندخل كل بيت وننتقل من بيت لبيت.. نسمع ونستوعب ونتكلم ونُقنع.. بدليل دامغ لكل كلمة تقولها وهذا معناه!.

نتائج دراسة الزيادة السكانية فى قرى ومدن مصر والتعرف على الأسباب.. كل هذه النتائج توضع أمام نخبة من علماء التربية والاجتماع وعلم النفس.. هم من سيحللون الأرقام وهم من سيرصدون الأسباب وهم من سيقدمون محاور الحوار لكل مكان.. والأدلة الدينية والعلمية التى تؤيد هذه المحاور!.

الآن.. أمامنا خريطة واضحة لكل مكان فيه زيادة سكانية.. والأسباب التى أدت للزيادة.. والأهم أساليب الحوار والإقناع لأهالينا!.

قد يدور فى ذهن حضراتكم.. وأى جهة تلك التى بإمكانها أن تنفذ خِطِّة الإقناع المباشر «وجهًا لوجه»؟

تسألون أى جهة.. وعندنا أكبر قوة ضاربة فى الشرق الأوسط كله!.

عندنا.. شباب.. بسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله.. يقهر المستحيل!. مصر تعدادها 100 مليون نسمة.. أطفالنا وشبابنا عددهم 60 مليون نسمة!.

الشباب.. أفضل من يخوض معركة الزيادة السكانية!. عندنا فى الجامعات والمرحلة الثانوية قرابة العشرة ملايين فتاة وشاب!.

عندنا أساتذة وخبراء وعلماء فى علم النفس والتربية والاجتماع «مالهومش زى».. ما إن نضع أمامهم قاعدة بيانات الزيادة السكانية.. يقدمون لنا محتوى علميًا دقيقًا محترمًا.. لما يجب أن تكون عليه حملة «وجهًا لوجه».

ما توصل إليه العلماء والخبراء والأساتذة.. يحاضرون فيه الشباب فى الجامعات وفى المدارس.. إلى أن يصبح كل شاب وكل فتاة.. على دراية بالمكان الذى سينزل إليه.. وغالبًا شباب كل جامعة ومدارس.. هم معنيون بالمحافظة التى فيها جامعاتهم ومدارسهم.. يعنى الأبناء سيتكلمون مع الآباء والأمهات.. يعنى لا وجود لأى حواجز.. لأنهم أبناء محافظة واحدة!.

قضية مثل هذه.. تستحق أن نوقف الدراسة أسبوعًا لأجلها.. فيه شباب جامعات ومدارس مصر الثانوية.. يتحركون من بيت إلى بيت.. يسمعون ويحاورون ويقنعون.. وواثق أنا أنهم سينتصرون.. لأنهم يدافعون عن الحق فى أخطر قضايا مصر على الإطلاق!.


لمزيد من مقالات إبراهيـم حجـازى

رابط دائم: