يعيش الأردن فى الخامس والعشرين من أيار يوما وطنيا جليلا، ويحتفى بذكرى عيد الاستقلال، بما تجسده هذه المناسبة الخالدة من رمزيةٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ ماثلةٍ، ومناسبةٍ جامعةٍ تحمل محطات راسخة فى مسيرة الدولة والوطن.
وإذ تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية اليوم بالعيد الخامس والسبعين لاستقلالها، فإنها تدخل المئوية الثانية للدولة الأردنية متمسكةً بثوابتها، محافظةً على مبادئها، شامخةً بقيادتها الهاشمية ومستمرةً بدربٍ خطّته من البناء والازدهار والتنمية والمنعة.
وتجسّد مناسبة الاستقلال محطةً تاريخيةً فى عُمر الأردن، الذى حمل منذ نشأة الدولة فى الحادى عشر من حزيران 1921، أُسساً وقيماً وثوابت مستندة لمبادئ الثورة العربية الكبرى، القائمة على وحدة الأمة وشعوبها.
ومنذ أن رفع جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول «طيب الله ثراه» راية الاستقلال، الذى تحقق بحكمة القيادة الهاشمية ووعى وكفاح الشعب الأردنى وتطلعاته، دارت عجلة بناء الدولة الأردنية الحديثة، وانطلقت قافلة التنمية والإنجاز، وتحرّكت رحى الاستثمار فى بناء الإنسان أولا ودائما، لتضع الدولة فى مسارٍ متطوّرٍ، أوصلها لما هى عليه اليوم من التقدّم والمنعة والمكانة الدولية.
إن ما يحمله العام الحالى فى مسيرة الأردن، من تزامن المناسبات الوطنية المتصلة بتاريخ الدولة، يجعل منه عاما بارزا عنوانه الاعتزاز الوطنى بمسيرة الأردن وإنجازات قيادته ولُحمة شعبه وتكاتفهم، ويضيف على أهميته أهميةً تربط التاريخ الحافل بالمستقبل الواعد.
وستبقى مناسبة الاستقلال إحدى المنارات المضيئة للدولة الأردنية، التى تعكس ثوابت ومرتكزات أساسية فى مسيرة النهضة والبناء والإنجاز الوطنى، ودليلا واضحا على قدرة المملكة على تجاوز التحديات والتغلّب على الصعاب.
إن ما تحقق للأردن وشعبه على مدى مائة عامٍ من عمر الدولة وعقودٍ من الاستقلال نراه ماثلا فى مسيرة الحداثة والتنمية والإصلاح الوطنى الشامل، التى واكبها أجيال الأردنيين وأسهموا بها بتشاركية فاعلة مُستندها الحاكمية الرشيدة والديمقراطية الناجزة والمشاركة فى صنع القرار، حتى غدا الأردن الدولة المدنية العصرية دولة المؤسسات والقانون.
ومنذ مطلع الألفية، التى بدأها الأردن بعهد جلالة الملك عبدالله الثانى، استكملت الدولة مسيرة الاستقلال بمراكمة البناء ومتابعة الإنجاز ضمن رؤية حداثية استشرافية تواكب المتغيرات وتحرص على الانطلاق نحو آفاق جديدة مع الحفاظ على الهوية الأردنية والثوابت الوطنية والقيم الجامعة، ما جعل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثانى، يشهد نقلةً نوعيةً داخليةً شاملة فى مختلف القطاعات، يواكبها تعزيز لمكانته فى الساحة الإقليمية والدولية.
وشهد عهد جلالة الملك عبدالله الثانى نهضة حضارية تقدّمية شملت جميع المجالات، ودفعت بالأردن ليكون ضمن دولٍ متقدمةٍ فى سلم قطاعات التعليم، والصحة، والسياحة العلاجية، والشباب وتكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال وغيرها، وبما انعكس على مستوى وجودة الخدمات التى ينعم بها أبناء وبنات الأردن والمقيمون على أرضه.
وإذ يعتز الأردنيون اليوم بمسيرةٍ حافلةٍ بالعطاء، ومشهودةٍ بالإنجازات، حمل لواءها ملوك بنى هاشم، منذ الملك المؤسس عبدالله الأول طيب الله ثراه إلى جلالة الملك عبدالله الثانى أمدّ الله فى عمره، فإنهم أيضا يفخرون بأن هذه المسيرة وازنت بين بناء الدولة الوطنية ودعم مسيرة الوحدة العربية، وعكستها مواقف ووقفات وتضحيات قدمّها الأردن، دولة وشعبا وقيادة، لأجل قضايا الأمة ووحدتها، وفى مقدمتها القضية الأولى والمركزية، القضية الفلسطينية، دعم حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق بإقامة دولته المستقلة على التراب الوطنى الفلسطيني.
وليس بعيدا عن القضية الفلسطينية، وفى قلبها مدينة القدس والمقدسات فيها، فقد ارتبط الهاشميون تاريخيا بعقد شرعى وتاريخى مع القدس الشريف، أولى القبلتين، ولتكون المدينة المقدّسة ودعم صمود أهلها أولويةً هاشميةً أردنيةً، وصايةً ورعايةً وإعمارا، تحت ظل الهاشميين منذ فجر التاريخ، متممةً بجهود جلالة الملك عبدالله الثانى، صاحب الوصاية الشرعية والتاريخية والدينية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس.
وإلى جانب الرمزية الوطنية لمناسبة الاستقلال، التى يرى فيها الأردنيون دولتهم كل عام بعيونٍ ملؤها الفخر لما حققته فى مسيرتها محليا من تقدمٍ متسارع وتنميةٍ مشهودة وبناء راسخٍ لمؤسسات الدولة الحديثة، فإن هذه المناسبة تمثل أيضاً رمزية لمكانة الأردن فى أمتيه العربية والإسلامية، ودوره الفاعل فى قضاياها.
ومنذ محطات التأسيس والاستقلال ارتبطت مسيرة الأردن ومواقفه تجاه القضايا العربية والإسلامية والدولية برؤية قيادته الهاشمية وسياستها المتزنة والفلسفة السياسية التى قامت عليها الدولة الأردنية بالإيمان بالتعددية والانفتاح والاعتدال، ونصرة القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب.
وعلى مدى مئويته الأولى ومع دخوله المئوية الثانية من عمر الدولة، غدا الأردن الملجأ والحضن المستقبل للمستضعفين وللباحثين عن الأمن والأمان والحياة الكريمة من أبناء الشعوب الشقيقة التى تعرضت لويلات الحروب والنزاعات، لتضم أراضى المملكة لاجئين من أكثر من (50) جنسية، لتصنف الأمم المتحدة الأردن، الذى يقدم لهم سبل الإيواء والإغاثة الإنسانية والرعاية الطبية والتعليم، بأنه يحتضن ثانى أكبر نسبة من اللاجئين فى العالم مقارنة مع عدد مواطنيه. والأردن المؤمن بثوابته الإنسانية والقومية ورسالته فى نشر المحبة والسلام وتعزيز قيم التآخى والوئام، أطلق حزمة من المبادرات الدولية الداعمة لهذه القيم ونبذ التطرف والعنف، منها رسالة عمان، كلمة سواء، وأسبوع الوئام بين الأديان، التى عكست نهج الأردن بالتسامح واحترام جميع مكونات المجتمع وتعزيز التآخى بين أتباع الأديان وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام. وتجذّرت فى تاريخ الأردن مواقفه الداعية والداعمة لإحقاق الحق وحفظ الدماء والأرواح وتعزيز الأمن والسلم العالميين، وهو ما جسدته مشاركة الأردن فى إنهاء النزاعات ووقف الحروب ومساعدة الشعوب عبر مسيرةٍ ممتدة للقوات المسلّحة الأردنية- الجيش العربى فى مهام حفظ السلام الدولية منذ مطلع الستينيات فى مختلف بقاع العالم ووجهاته الأربع.
وللأردن مسيرة على الساحتين العربية والدولية زاخرة بمواقف يقدرها المجتمع الدولى، ومعززة لمكانةٍ سياسيةٍ وداعمة لحضورٍ دبلوماسى ومعمقة لاحترامٍ وتقديرٍ عالمى، أساسها جميعاً وضوح الموقف وقوة الطرح وعدالة السردية وتقديم مصلحة الأمن والاستقرار والعدالة فى ميزان التعامل مع القضايا والسعى لحل الأزمات. وتمتاز علاقات الأردن الخارجية، فى محيطه العربى وعلى الساحة الدولية، بنسق من التوازن والاعتدال والانفتاح والتنسيق مع مختلف الدول العربية الشقيقة والقوى الصديقة فى المنظومة الدولية، وما يخدم التوافقات حول مختلف القضايا والأزمات وتقود نحو عالم أكثر أمنا واستقراراً وضماناً لحقوق الجميع وفق أسس العدالة الدولية.
وفى العلاقات التاريخية والمتجذرة والممتدة مع جمهورية مصر العربية، وشعبها الشقيق والقريب، يعتز الأردن بما وصلت إليه أسس وأشكال التعاون والتنسيق بين قيادتى وحكومتى البلدين، وما تعكسه صورة الأخوة بين الشعبين، وما أضحت عليه العلاقات الأخوية من ثباتٍ ورسوخٍ ومستوى متقدّم من الشراكة الاستراتيجية سواء فى التعاون الثنائى أو التنسيق المتواصل لخدمة قضايا الأمة العربية، بفضل حكمة ورؤية وتوجيه جلالة الملك عبد الله الثانى وأخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وستضيف مناسبة الاستقلال للأردن عاما جديدا فى مسيرته الممتدة والمستمرة، يتعاظم فيه الإنجاز الشامل وتتوسع فيه ساحات التنمية وترتفع معه منارة العطاء ويدوم به الإصلاح المتجدد، كما ستكون على الصعيد الخارجى منطلقا لمزيد من الحضور والفعالية فى العلاقات الإقليمية والدولية، والحرص على تعزيز التعاون الدبلوماسى والسياسى مع مختلف الشركاء الفاعلين لخدمة القضايا الدولية.
> سفير الأردن فى القاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية
لمزيد من مقالات السفير . أمجد العضايلة رابط دائم: