رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المجتمع المدنى والريف المصرى

مما نشاهده على شاشات التليفزيون، أن الدولة وهى تعمل فى القرى المصرية فإنها تحاول تقديم عمل متكامل بمعنى الاهتمام بالمياه النقية والمنازل وجمع تلال القمامة وتبطين الترع إلى الآن تم تبطين ربع الترع الموصلة لمياه الرى والصرف الصحى والمدارس والوحدات الصحية وحتى النوادى وساحات الكرة إن وجدت فى القرية. وهو عمل جيد لا يمكن الاعتراض عليه ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن: وبعد كل هذا الجهد كيف يمكن الحفاظ عليه؟ كيف يمكن الحفاظ على هذه البيئة الريفية نظيفة منظمة بعد ان تنسحب منها الدولة لتتجه الى قرى أخرى؟.

كيف يمكن الحفاظ على القرية دون عودة تلال القمامة مرة اخرى؟ وكيف يمكن الاحتفاظ بالترع التى تم تبطينها نظيفة تجرى فيها مياه الرى بسلاسة وبلا معوقات وشوائب لا تعوق حركة المياه فحسب وإنما توقفها وتتسبب فى تبخر مياهها وبالتالى فقدان جزء من المياه التى سوف نكون فى اشد الحاجة اليها. باختصار كيف نطمئن على ان الاموال التى انفقت على تطوير الريف لن تذهب هباء وإنما سيستمر رصيدا ماديا يحافظ عليه الريفيون ويضيفون عليه من جهدهم.

وبالقطع لا يمكن ان يقوم هذا العمل أو يعتمد على الجهد الفردى أو رغبة فردية للأفراد فى ذلك وإنما لا بد ان يقوم به الجهد والتنظيم الجماعى الذى يضمن سيرورة العمل واستدامته وجديته. فالدولة والمجتمع المصرى وخاصة المحلى فى اشد الحاجة الى الجهد الجماعى للمواطنين من اجل الحفاظ على كل قرش دفع او سيدفع فى تطوير القرية المصرية.

أتذكر أن إحدى المنظمات الاهلية غير المصرية قامت ببناء عدد من مدارس الابتدائى فى عدد من القرى والنجوع المصرية اتى كانت فقيرة للغاية, 70 مدرسة. وكان احد الشروط المتفق عليها مع وزارة التربية والتعليم ان يشارك الأهالى مع الوزارة فى الحفاظ على وديعة مالية فى البنك وتكون هذه الوديعة تحت تصرف مجلس امناء المدرسة المكون من بعض أهالى القرية. وكانت فوائد الوديعة تخصص فى الاساس لصيانة المدرسة ولنظافتها. وقد نظمت لى الدكتورة غادة والى التى كانت تعمل فى هذه المنظمة فى ذلك الوقت, زيارة لإحدى المدارس ووجدتها غاية فى النظافة والنظام بالرغم من مرور سنوات على افتتاحها. وبالقطع لم تعد نظافة المدرسة لرغبة فردية من احد وإنما عادت فى الأساس الى النظام الجماعى الذى التزمت به جماعة اولياء الامور بناء على الاتفاق الموقع بين وزارة التربية والتعليم والمنظمة المذكورة.

كما ان فى جولاتى الريفية كنت التقى عادة أعضاء جمعيات التنمية الريفية التى تشكلت فى القديم عندما كانت الدكتورة امال عثمان وزيرة للشئون الريفية وكانت جمعيات تنشط فى كل الاعمال التى يوكلها لها المجلس القومى للمرأة وغيره من المؤسسات الحكومية. وإنى اتصور ان هذه الجمعيات المنتخبة والتى تضم كل منها امرأة من اهالى القرية يمكن ان تقوم بالنشاط التطوعى الذى يطلب الآن للحفاظ على كل الانجازات التى تتم فى الـ11محافظة التى يتم تطوير القرى فيها. فهى فى الاساس جمعيات منتخبة ومكونة من اهالى القرية ذاتها وتتبع نظما حديثة فى العمل والمحاسبة لأنها تمتلك ودائع مالية تنفق منها على الصيانة. ويمكن اعتبار التعاون مع هذه الجمعيات تجربة لتكرارها فى القرى الاخرى التى سيتم تطويرها بعد ان ندخل عليها اى تطوير نراه ملائما. وقد تعودت هذه الجمعيات على وجود المرأة الريفية ضمن اعضائها. فبناء على قانونها الخاص لابد ان تمثل المرأة الريفية من نساء القرية ذاتها, فى مجلس ادارة الجمعية.كما أنها امتلكت خبرات فى الادارة والمحاسبة الذاتية ومن قبل الدولة. فهى تحت رقابة مباشرة من وزارة التضامن.

ويملك الريف المصرى خبرات واسعة فى العمل العام بالرغم من انه لايزال عملا فرديا وغير جماعي. لقد نمت فيه جمعيات تنتمى للمجتمع المدنى عديدة بدءا من مؤتمر التنمية والسكان عام 1994 بجانب أن المنظمات الاهلية العاملة فى القاهرة والدلتا ادت نشاطا كبيرا فى الصعيد حتى بات العمل العام مكونا ملحوظا ولا اقول سائدا فى قرى الوجه القبلي. وإذا اضفنا الى كل ذلك تلك التجربة التى لم تتوقف منذ عام 1964التى اقدمت عليها الراحلة الدكتورة الوزيرة حكمت أبو زيد، أول وزيرة مصرية، وهى تجربة الرائدات الريفيات، فسوف نجد امامنا اساسا للعمل الجماعى الأهلى الذى يستطيع ان يقوم بالعمل اللازم للحفاظ على ما قدمته الدولة للريف المصرى خلال الفترة الماضية.

نستطيع النهوض بالريف المصرى وننشط الشعار القديم الذى رفع ربما فى الستينيات او الخمسينيات من القرن الماضى والذى نادى بتقريب الفوارق بين الريف والمدينة. وفى الواقع ان الريف المصرى تغير كثيرا منذ 1952 ويبدو ذلك بوضوح إذا قارنا الصور الريفية القديمة بالأخرى الاكثر حداثة. ولكنه لا يزال دون المطلوب اجتماعيا وثقافيا وبيئيا والأهم، زراعيا. فالمطلوب ليس مجرد التقارب بين الابنية الريفية والمدينية وإنما المطلوب هو الارتقاء بالإنسان الريفى مهنيا وثقافيا وتعليميا بجانب الاهمام ببنية الريف التحتية بحيث يشعر الانسان الريفى بالمواطنة الحقة التى تجعله لا يختلف كثيرا عن ذلك الانسان الذى يعيش فى المدينة. الخلاصة اننا نسعى الى تحديث الريف المصرى مكانا وإنسانا.

فى جولاتنا خارج مصر نزور الريف الأجنبى الحديث والمنظم والذى يضم وسائل ثقافية حديثة تدفع الانسان الى التمسك بأرضه وبقريته وببيئته ولا يفكر فى هجرتها إلى المدينة. وهنا فى مصر لا نريد ريفا اوروبيا ولا امريكيا بل نريد ريفا مصريا. يعرف مواطنوه انهم يعملون لإطعام الشعب وانهم بنوا الأهرامات وحفروا القناة وشيدوا السد العالى لكى يعيش الإنسان المصرى ويستمتع بخيرات بلاده التى يشارك، هو كفلاح، فى صنعها.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: