الموت يحاصرنا يا «جماعة»!
يدنو كثيرا، وبات أقرب إلينا من أى وقت مضي.
يكاد يعيش بيننا، وكأنه جار أو صديق أو أحد أفراد الأسرة!
أحباء فقدناهم، وما زلنا نفقد المزيد كل يوم.
عائلات بأكملها رحلت، وترحل، جنازات «ع الواقف»، ومراسم دفن «على السريع»، بمشاركة عدد محدود من البشر قد لا يتعدى عشرة أفراد، المسألة أصبحت عادية جدا!
زمان، كنا نصاب بصدمة عند وفاة «الجد» أو «الجدة»، ولكن، تمر الأيام، وتسير الحياة على طبيعتها، أما الآن فالأمر يختلف تماما، ولم يعد مرتبطا بسن.
صفحات الفيسبوك صارت أشبه بصفحات الوفيات، «خالى فى ذمة الله»، «زوج عمتى فى رحاب الله»، وعبارات تعزية ومواساة صرنا نكتبها بشكل أوتوماتيكى بمساعدة خاصية الـPredictive texting، لدرجة أنك أحيانا تعزى فى الشخص الواحد مرتين دون أن تشعر!
تكتشف خطورة الوضع أكثر عندما تتصفح قائمة أصدقائك على الفيسبوك، فتجد أمامك حسابات كثيرة لأشخاص أصبحوا فى عداد الموتى، ولم يتبق منهم سوى «الأكاونت»، بكل ما عليه من صور وتدوينات وبوستات وذكريات.
والمثير أن بعض الحسابات «تؤرخ» لوفاة هذا أو ذاك بالساعة وبالدقيقة، «أنا تعبان» .. «ادعولي» .. «سامحونى» .. ثم «هوب»، تجد صاحب الأكاونت عند الرفيق الأعلى!
إذا كنت خمسينيا أو ستينيا، ستفهم جيدا ما أقول، كل يوم ستجد أمامك خبر وفاة لصديق أو قريب، وعليك أن تتقبل الأمر بصدر رحب.
صديق عمرك مات؟ وماله «خليك سبور»! جارك الذى كان يضايقك بتصرفاته «اتكل»؟ معلش ربنا يسامحه، واحد «لسة مقابله على القهوة إمبارح» اليوم ليس معنا .. «عادى جدا».
زمان، كان المرء منا لا ينام إذا دهس بسيارته «قطة» أو «كلبا»، فروح الحيوان ستظل تلاحقك فى منامك ويقظتك لفترة طويلة، حتى وإن كان الكلب «هو اللى غلطان»!
قبل سنوات، لم أنم لعدة أيام، بعد أن شاهدت فيلما مفزعا عن «الموت الرحيم» فى هولندا، Euthanasia، لزوجين مسنين يتعاطيان دواء يطلق عليه Barbiturates ينهى حياتهما ببطء أمام الكاميرات، ووسط ترحمات المشاهدين!
حتى التليفزيون الذى يفترض أن يسلينا تجده يذكرك بالحقيقة الصادمة كل يوم، بل كل ساعة، تشاهد بعض الأعمال الفنية فتفاجأ أنك تتفرج على «أموات».
تضحك كثيرا على «مدرسة المشاغبين»، وتنسى الضحك عندما تكتشف أن اثنين فقط من أبطال المسرحية على قيد الحياة! تضحك أكثر على «العيال كبرت»، وتفاجأ عندما تعرف أنه لم يبق من أبطالها سوى ممثلة واحدة! مسلسل «أوراق الورد»، كل أبطاله ماتوا! حتى الأعمال الحديثة نسبيا مثل «رأفت الهجان» و«أبو العلا البشرى»، 90% من أبطالها لم يعودوا فى عالمنا.
شىء مخيف جدا!
أما الآن، فكورونا جعل الموت أسهل!
كورونا قتل 13 ألفا فى مصر فقط منذ ظهوره، من إجمالى 222 ألف حالة إصابة سجلتها إحصائيات وزارة الصحة، وحالات الإصابة اليومية وصلت إلى قرابة الألف حالة، أيضا وفق الأرقام الرسمية فقط، فقد تكون هذه الأرقام مضروبة فى 10 هى الحقيقة، ولكن مع ذلك، تبقى «ولا حاجة»، قياسا بثلاثة ملايين توفوا من كورونا على مستوى العالم، أو قياسا بـ350 ألف هندى أصيبوا بالفيروس فى يوم!
ولكن، من لم يمت بكورونا مات بغيره.
موت «الفجأة» منتشر بين الشباب وأصحاب الثروات الطائلة والصحة «البمب».
فى مصر بالذات، وارد جدا أن تفقد حياتك «أونطة» بسبب موظف مهمل، أو سيارة طائشة، أو سائق قطار مدمن.
أعرف كثيرين ماتوا هما، أو كمدا، وآخرين ماتوا غضبا، أو يأسا، أو قهرا، والطيار «أبو اليسر» نموذجا.
فى حرب مصر ضد الإرهاب والخيانة، لدينا شهداء ماتوا على أيدى حثالة من الناس لا يساوى الواحد منهم فى ميزان البشر «قرش صاغ».
ضابط عظيم كالشهيد منسى، أو الشهيد مبروك، فقد حياته، وترملت زوجته، وتيتم أطفاله، بسبب قرار اتخذه قاتل بأجر، عاش على باطل، ومات على باطل.
لا تكتئب عند قراءة هذا المقال، فقد أمرنا رسولنا بالإكثار من ذكر هادم اللذات .. «الموت».
وها نحن نذكره، ونعيشه، ولا نتمناه، ولا نخشاه، ونعمل له ألف حساب.
فقط نسأل الله حسن الخاتمة!
أما إذا كان لحياتنا بد، فلتكن حياة هانئة مطمئنة.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: