ما أبعد الليلة عن البارحة. حزب الخضر الألمانى الذى بدأ قزميًا على هامش الهامش، وبدا فى صورة حلقات صغيرة من الشباب المتحمسين الذين لا يجيدون إلا الاحتجاج، أصبح اليوم فى قلب المشهد السياسى، بل يزحف بسرعة نحو صدارته.
الحزب الذى كان أعضاؤه موضع سخرية وتندر عند إنشائه قبل نحو أربعين عامًا فقط قد يقود الائتلاف الحكومى الذى سيُشكل عقب الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر المقبل.
لم تكن مُفاجِئةً تمامًا نتيجة استطلاع للرأى العام أجراه معهد فورس المتخصص فى هذا المجال يومى 19 و20 أبريل الحالى. جاء حزب الخضر فى المقدمة وحصل على 27% من أصوات المُستطلعين مقابل 21% للتحالف المسيحى الديمقراطى الاجتماعى، و13% للحزب الاشتراكى الديمقراطى، و11% لحزب البديل الشعبوى. نتيجة غير مسبوقة رغم أن حزب الخضر حقق تقدمًا مطردًا فى الاستطلاعات السابقة، ولكن كان فى المرتبة الثانية وليست الأولي.
ربما أدى ضيق عدد متزايد من الألمان بصراع التحالف المسيحى الديمقراطى - الاجتماعى على منصب المستشارية إلى هذا الفرق الذى يزيد احتمال أن يكون المستشار القادم أخضر أو بالأحرى خضراء لأن أنالينا بيربوك هى مرشحة الحزب المدافع عن البيئة لهذا المنصب. وهى مناضلة معروفة منذ صغرها ضد السياسات التى أدت إلى التغير المناخى الخطير الراهن.
ولكن صورتها فى أذهان الناس تغيرت من متظاهرة أو مُحتجة إلى سياسية ناجحة تمكنت من كسب تأييد جناحى حزبها المنقسم منذ تأسيسه بين متشددين ومرنين، أو مثاليين وواقعيين. ولم يصل الحزب الأخضر إلى صدارة المشهد السياسى بسهولة. نجح فى اختبارات خاضها منذ أن كان شريكًا صغيرًا للحزب الاشتراكى فى الائتلاف الحكومى عام 1998، ولفت وزراؤه الأنظار خاصةً يوشكا فيشر وزير الخارجية, وحتى صار شريكُا رئيسيًا فى حكومات ولايات عدة، وحقق إنجازات ملموسة أسهمت فى ازدياد شعبيته. ولم تكن مساعدة شركات سيارات كبرى فى ولاية بادن نورنمبيرج على إنتاج سيارات صديقة للبيئة إلا مثالًا واحدًا على نجاح الأخضر فى إثبات أن لديه برنامجًا عمليًا وليس مجرد رؤية مثالية، وأن أعضاءه الآن يفعلون بعد أن كانوا بالأمس يحتجون.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: