نفخر بقوة مصر الناعمة، ولكننا نخجل أيضا من قوتها «الغبية»!
لدينا من المشاهير من هو وطني و«مصحصح» ويعرف ماذا يقول، ومتى، ولدينا المشهور الـ«نص لبة» الذي يجب أن تنطبق عليه مقولة «لو مش فاهم .. إسكت».
النوع الأول تجده دائما في المكان الصحيح، وفي ظهر الوطن، والثاني يسير بالشقلوب، وحسبما تمليه عليه جهالته أو ضحالته أو «شلته».
سيد درويش، ردد «بلادي بلادي» و«أنا المصري» في وجه الاحتلال، وغنى في ثورة 1919 «قوم يا مصري» دعما لسعد، إلى أن قتله الإنجليز على الأرجح عام 1923 عن 31 عاما فقط.
عبد الوهاب، غنى لمصر أكثر مما غنى للحب والغرام، من «النهر الخالد» و«الكرنك» و«كليوباترا»، إلى «حب الوطن» و«إجري يا نيل» و«مصر نادتنا» ونشيد «الجهاد»، حتى عندما غنى «من غير ليه» كان هدفه تطهير سوق الغناء وقتها.
أم كلثوم، جابت مشارق الأرض ومغاربها، لا لجمع تبرعات للمجهود الحربي بعد 67، ولكن لكي تقول للدنيا كلها إن مصر لم تمت، وبعد نصر 73، أخرجوا من أرشيفها أغنية «بالسلام إحنا بدينا» التي غنتها عام 1958، لتذاع إبان معاهدة السلام التي لم تحضرها «الست» !
حليم كانت أغنياته كطلقات المدافع، من «فدائي» و«عدى النهار» و«المسيح» و«خلي السلاح صاحي»، إلى «قومي يا مصر» و «الفجر لاح» و«البندقية اتكلمت»، نهاية بـ «عاش اللي قال»، ثم «المركبة عدت»، التي تواكبت مع إعادة فتح قناة السويس للملاحة، ليموت بعدها، وكأنه أدى رسالته!
بليغ حمدي، وما أدراك ما بليغ حمدي!
هل نتحدث عن «يا حبيبتي يا مصر» أو «باسم الله» أم عن ارتقائه بالذوق المصري عبر حملته لتحويل شعبيات «الفلاحين» و«الصعايدة» إلى أغنيات أنيقة يرددها المصريون والعرب جميعا حتى يومنا هذا؟
عادل إمام تصدى للإرهاب بمفرده بعدة أفلام جريئة، ثم واجهه فعليا بعرض مسرحيته «الواد سيد الشغال» في أسيوط، في وقت لم يكن فيه مسئول في الدولة يجرؤ على دخول المحافظة من «البوابات»!
نادر عباسي، أميرة سليم، ريهام عبد الحكيم، ماذا فعلوا بنا وبالعالم في حفل «المومياوات»؟
صلاح، رشوان، «بيج رامي» ، صور مضيئة لرياضيين أسهموا في رسم ملامح سمعة مصر عالميا، وغيرهم الكثير!
ومع ذلك، لا تزال «القوة الغبية» تفسد كل شيء بين الحين والآخر.
قبل أيام، شارك فنانون ورياضيون وإعلاميون في حملة «عبيطة» استفزت ملايين المصريين، للمطالبة بالإفراج عن شاب محبوس 15 عاما بحكم قضائي نهائي أيدته محكمة النقض.
لم يكن هذا الشاب متظاهرا سلميا، ولم يكن متهما بنشل محفظة أو بسرقة حبل غسيل، وإنما تم اعتقاله لمشاركته في أحداث مسجد الفتح الدامية في أكتوبر 2013، في قضية شملت 68 آخرين، وتم توجيه تهم إليهم من بينها «الشروع في القتل العمد»، و«إتلاف الممتلكات العامة»، و«مقاومة السلطات».
طيب لماذا يطالبون بالإفراج عن الأخ المحبوس؟ بأي أمارة يعني؟ هل أتم حفظ القرآن مثلا في السجن؟ هل محا أمية مائة سجين؟ أم لأنه طالب في جامعة خاصة، وشكله «كيوت»؟
أفهم أن يطالب هؤلاء بعفو رئاسي، وهذا في يد الرئيس وحده، ويقتصر على حالات معينة، ولكن أن يقال «افرجوا عن فلان»، هكذا بصيغة الأمر، لا يليق، واستهتار بالدولة، وبقوانينها، وبدماء الشهداء وأسرهم، وبمشاعر المصريين الذين قالوها مرارا «لا للمصالحة مع قتلة».
ولم تكن هذه الحملة هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها قبل أيام حملة مماثلة شارك فيها رياضيون «مغيبون» للمطالبة بالإفراج عن مشجعين محبوسين بتهمة الخروج عن النظام.
وتزامنت مع هاتين الحملتين أيضا حملة أخرى أسخف، وإن كانت قد شخصت لنا موطن العلة، فقد كان عنوانها «اتفرج وبعدين احكم»، وهي محاولة من بعض الفنانين بإقناع المشاهد بتقبل مسلسل به مغالطات تاريخية عن «أحمس»، وكأن هؤلاء يقولون للجمهور الذي صنعهم وجعلهم نجوما «اتفرج وانت ساكت»!
سيحتقر المصريون كل هؤلاء، وسيوضعون جميعا في قوائم عار «افتراضية»، إلى أن يأتي وقت الحساب، تماما مثلما فعلنا مع أولئك الذين وقفوا ضد الدولة، أو أمسكوا العصا من المنتصف، أو تعاطفوا مع شخصيات من عينة أبو تريكة، استخفافا بنا.
رمضان كريم .. لكن الجمهور ليس دائما كذلك!
ويا أيتها القوة الغبية .. «انصرفي»!
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: