رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التحالف ضد «داعش»: التراجع شرقا وإعادة التموضع غربا

أحمد كامل البحيرى

دفع النشاط المتنامى للتنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل والصحراء الإفريقية المجتمع الدولى إلى إعادة التفكير فى مسار عمليات التحالف الدولى لمكافحة «داعش» من حيث الانتقال من الشرق (العراق وسوريا) إلى الغرب (الساحل الإفريقي)، فى ظل الأزمة التى يواجهها التحالف فى العراق، والتى بدأت فى أعقاب مقتل قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى ونائب أمين عام ميليشيا «الحشد الشعبي» أبو مهدى المهندس فى العملية العسكرية التى قامت بها الولايات المتحدة فى 3 يناير 2020، والتى دفعت البرلمان العراقى للمطالبة بانسحاب القوات العسكرية الأجنبية بالتزامن مع تنامى استهداف تلك القوات، إلى جانب المصالح الغربية وتحديداً الأمريكية، من قبل ميليشيات مسلحة عراقية. وقد بدأ التحالف بالفعل فى 23 أغسطس 2020، فى الانسحاب من الموقع 8 فى قاعدة التاجى شمال بغداد وتسليمه للجيش العراقي.

خيارات بديلة

وإدراكاً منها للتهديدات المحتملة التى يمكن أن يفرضها الفراغ الناتج عن تراجع عمليات التحالف فى الفترة القادمة، عملت القوى المعنية على تبنى خيارات بديلة لتحجيم نشاط التنظيمات الإرهابية. أولها، الضربات الخاطفة، على غرار ما حدث مع استهداف الإرهابى جبار سلمان على المُلقب بـ»أبو ياسر العيساوي» نائب قائد التنظيم المركزى فى 27 يناير الفائت، بجانب مقتل أربعة من قيادات التنظيم فى العراق، حيث جاءت العملية النوعية التى أعلنتها السلطات العراقية فى أعقاب الهجوم الإرهابى الذى نفذه «داعش» فى ساحة الطيران بوسط بغداد قبل ذلك بستة أيام.

ثانيها، الدعم اللوجستى لقوات مكافحة الإرهاب العراقية، فرغم القرار الأمريكى بتقليص القوات العسكرية فى العراق، فإن استمرار تدريب القوات العراقية وبشكل خاص قوات مكافحة الإرهاب مستمر ومتصاعد سواء من قبل الولايات المتحدة أو من جانب حلف الناتو، الذى أعلن أمينه العام ينس ستولتنبرج، فى 23 أكتوبر 2020، أن «الحلف مستعد لتعزيز مهمته وتوسيعها، وتدريب القوات العراقية»، ويتوازى ذلك مع سعى الدول الغربية لتعزيز التعاون الاستخباراتى مع الأجهزة العراقية لدعمها بالمعلومات الاستخباراتية ضد «داعش».

ثالثها، تدعيم قدرات بعض الفاعلين من دون الدول، على غرار ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية (قسد)، وهى من أهم الارتكازات التى يعتمد عليها التحالف لمكافحة «داعش» فى سوريا، حيث عملت الولايات المتحدة، خلال الفترة الماضية، على دعم الميليشيا لوجستياً لمواجهة التنظيم، رغم أن ذلك تسبب فى اتساع نطاق خلافاتها مع تركيا.

تغيير البوصلة

اللافت فى هذا السياق، أن هذا المسار الجديد فى عمليات التحالف الدولى ضد «داعش» فى العراق وسوريا دعم الجهود التى تبذلها فرنسا من أجل تركيز مكافحة الإرهاب على منطقة الساحل الإفريقية، وهو توجه اكتسب اهتماما خاصا من جانب دول غربية عديدة أبدت استعدادها لدعم جهود مكافحة الإرهاب فى المنطقة التى باتت الأكثر تأثيراً على المصالح الأوروبية خلال العامين الماضيين. هذا الاهتمام انعكس فى دعوة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى عقد قمة فرنسية إفريقية تجمع فرنسا ودول الساحل يومى 15 و16 فبراير الحالى بالعاصمة التشادية إجامينا، بهدف إجراء مباحثات حول سبل تفعيل جهود مكافحة الإرهاب فى المنطقة.

وربما يمكن تفسير هذا الاهتمام فى ضوء اعتبارات عديدة: أولها، الاتجاه الذى تتبناه الولايات المتحدة بتخفيض عدد قواتها فى المنطقة، والذى قوبل بتحفظ شديد من قبل فرنسا ودول الساحل، لاسيما أنه يمكن أن يؤثر وبشكل مباشر على نشاط التنظيمات الإرهابية بالمنطقة. وقد كان ذلك أحد أسباب انعقاد قمة «بو» فى 13 يناير 2020، التى شاركت فيها الدول نفسها لمناقشة المعطيات الجديدة التى فرضتها هذه الخطوة الأمريكية.

ثانيها، ارتفاع معدل العمليات الإرهابية فى منطقة الساحل الإفريقي، التى شهدت خلال عام 2020، نشاطا ملحوظا لتنظيم «داعش»، توازى مع جهود يبذلها تنظيم «القاعدة» لإعادة الانتشار فى المنطقة، على نحو دفع فرنسا إلى إرسال 600 جندى إضافى للمنطقة، والاعتماد بشكل أكبر على التنسيق مع الدول الأوروبية لإرسال قوات عسكرية للمساعدة فى مكافحة التنظيمات الإرهابية فى الساحل.

ثالثها، تزايد عدد العمليات الإرهابية التى شهدتها المنطقة، حيث كان لافتاً أن منطقة الساحل وغرب إفريقيا جاءت فى المرتبة الثالثة من حيث عدد العمليات الإرهابية التى نفذها تنظيم «داعش» خلال عام 2020، بعد كل من العراق وسوريا، بينما احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد ضحايا تلك العمليات مقارنة بضحايا العمليات الإرهابية فى العراق وسوريا خلال العام نفسه، وهو ما يتوازى مع ارتفاع نسبة استهداف القوات العسكرية الأجنبية بالمنطقة كما حدث باستهداف القوات الكندية فى 25 نوفمبر 2020 من قبل «داعش»، على نحو أسفر عن مقتل 4 جنود كنديين، بجانب استمرار استهداف القوات العسكرية الفرنسية. يعنى ذلك أن «داعش» يسعى عبر رفع مستوى عملياته الإرهابية فى المنطقة إلى تحويلها لمركز مؤقت له عبر تأسيس بؤرة انطلاق جديدة له فيها بعد تراجع دور المركز الرئيسى فى كل من سوريا والعراق.

تنافس إرهابي

اللافت فى هذا السياق، هو أن نشاط التنظيم فى المنطقة يتوازى مع تنامى نفوذ تنظيم «القاعدة» سواء فى إطار تحالف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الإرهابية أو عبر مكونات الجماعة التقليدية مثل تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب»، والذى نشط خلال المرحلة الماضية عبر تنفيذ عمليات إرهابية فى بعض دول المنطقة.

فى المجمل، يُكثِّف تنظيم «داعش» عبر فرعه فى غرب إفريقيا هجماته الإرهابية ضد القوات المحلية والأجنبية ومصالح القوى الدولية، على نحو يدفع الأخير إلى احتلال المرتبة الأولى بين مجمل أفرع التنظيم المختلفة خلال الفترة الجارية، وهو ما يفرض تهديدات جدية لأمن واستقرار دول المنطقة، التى يبدو أنها تتجه إلى تبنى إستراتيجية جديدة لمكافحة التنظيمات الإرهابية فى الساحل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق