رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

25 يناير 2011.. بعد عشر سنوات

سوف يظل ما جرى فى 25 يناير 2011 وما بعده موضع جدل ومثار نقاش لسنوات طويلة قادمة، ذلك أن قدرًا كبيرًا من المعلومات المتصلة بتلك الفورة الشعبية لا يزال تائهًا إلى جانب تحليلات غامضة وأخبار متضاربة، ولكن الأمر المؤكد أن الجماهير المصرية التى خرجت إلى ميدان التحرير كانت فى معظمها تعبيرًا شعبيًا تلقائيًا عن حالة ضجر من النظام القائم والرغبة فى التغيير خصوصًا بعد آخر انتخابات نيابية عام 2010، فضلًا عن شعور عام بشيخوخة النظام وترهل مؤسسات الحكم والتفاوت الطبقى الملحوظ مع تراجع الخدمات وشيوع الفقر وانتشار الفساد الإدارى والمالي، فضلًا عن ظهور انتقادات علنية للنظام دون أن يعبأ بها أو يتصدى للرد عليها فاستقرت فى أذهان الجماهير باعتبارها حقائق وليست اتهامات فقط، لذلك فإننا لا نشكك فى نبل المقصد ووطنية الثوار الذين خرجوا إلى الميادين فى أنحاء البلاد يرفعون شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية ويتخذون من رغيف الخبز رمزًا لحياتهم فهو (العيش) بحق.

ولكننا أيضًا وفى الوقت ذاته لا نتردد فى أن نقول إن قويً خارجية وداخلية لا تعبر عن الوطنية المصرية قد اندست فى صفوف من خرجوا بنية طيبة ودوافع صادقة، ولقد تطورت الأمور واتجهت إلى التدهور السريع وأنا أظن أن الثمانية عشر يومًا الفاصلة بين بداية الثورة الشعبية وبين تخلى الرئيس الراحل عن السلطة قد شهدت أسوأ إدارة لأزمة فى تاريخ البلاد، فردود الفعل كانت دائمًا متأخرة وحتى خطب الرئيس الأسبق تأتى بعد الموعد المحدد بعدة ساعات ويبدو واضحًا أنه قد جرت عليها تعديلات تجعل المعنى مختلًا والتناقض واضحًا، فبينما يتحدث الرئيس الراحل فى مطلع خطابه عن ضرورة التغيير وسرعته يأتى ختام الخطاب مشيرًا إلى استمرار الأوضاع مع تعديلات هامشية، وحتى الخطاب الأفضل الذى تحدث فيه الرئيس مبارك عن تاريخه العسكرى ودفاعه عن تراب مصر التى عاش على أرضها ويموت فوقها لم يجر استثماره على نحو أفضل ولم يقدم تنازلات واضحة ومؤثرة وعاجلة فى وقت كانت فيه درجة الغليان فى الميادين والشوارع المصرية فى صعود واضح، ثم كانت واقعة الجمل فى ميدان التحرير بغموضها وانعدام المصداقية فى تفسيرها فضلًا عن القناصة من فوق الأسطح العالية حول الميدان.

وأنا أظن أن عناصر من جماعة الإخوان الإرهابية هم الذين مارسوا نوعًا من القتل العشوائى للإرهاب والتخويف حتى جاءهم إنذار من الجيش, أظنه, على لسان اللواء حسن الروينى عضو المجلس العسكرى فتوقفت الطلقات العشوائية إشارة إلى فاعلها وتأكيدًا إلى أن الجماعة حاولت رفع درجة الفوضى استعدادًا للانقضاض على السلطة وطمعًا فى الحكم، لقد كانت أيامًا صعبة اختلطت فيها دماء الشهداء الأبرياء مع جرائم العناصر المدسوسة وتنفيذ المخططات الأجنبية ومحاولة سرقة نضال الشعب المصرى لصالح قوى خارجية وفئات داخلية دون اعتبار لمصالح البلاد ومستقبل شعبها، وقد توالت الأحداث كما هو معروف وجرت وقائع متعددة أذكرها دون ترتيب لها وقد جرت عند وزارة الداخلية، أو فى شارع محمد محمود، أو أمام التليفزيون المصرى (حادث ماسبيرو) وحتى أمام وزارة الدفاع بمكانتها الوطنية الكبرى وقيمتها لدى الشعب المصرى وهى التى لم تهتز أبدًا، وكان واضحًا للجميع أن هناك أصابع تعبث بالشئون الداخلية للبلاد وأن هناك أيدٍ خفية من الداخل تدعمها وتساعد على تفاقم الوضع واختلاط الأوراق وانعدام الرؤية الصحيحة، ولابد أن أدلى هنا بشهادة حق للتاريخ أنه لولا الجيش المصرى ودوره فى تلك الأحداث لاهتزت الدولة المصرية وكادت تكون معرضة للسقوط رغم أننا نراها عصية عليه عبر تاريخها الطويل، ويهمنى هنا أن أسجل عددًا من الملاحظات حول أحداث تلك الفترة والأيام العصيبة التى شهدتها البلاد وأسوق ذلك فى النقاط التالية:

أولًا: إن الثورة الشعبية ولدت يتيمة بغير قيادة شرعية فسمح ذلك لكل من يريد أن ينسبها إليه أن يفعل دون تردد، فالخريطة السياسية والحزبية كانت تائهة وسط الأجواء المختلفة على نحو أسهم فى نشر الشائعات وترويج الأكاذيب فاختلط الحابل بالنابل كما يقولون، ذلك أنها جاءت نتيجة حشود إلكترونية بالاستدعاء الرقمى فلم تعرف لها قيادة ولم يكن لها أب شرعى إلا الوطن بقيمته الكبرى وهويته العامة واضعين فى الاعتبار أن الاستدعاء الإلكترونى يصنع حشدًا كبيرًا ولكنه لا يخلق قيادة واضحة.

ثانيًا: لم يكن لأحداث 25 يناير وما بعدها برنامج سياسى واضح لذلك سمح بخديعة أحلام الجماهير ودغدغة مشاعرها والقفز على قمة السلطة خصوصًا وأن جماعة الإخوان المسلمين كانت هى الأكثر تنظيمًا واستعدادًا بين قوى الشارع السياسى فى مصر فاستغلت الفرصة وراوغت بإظهار الزهد فى الحكم ثم انقضت عليه باثنين من المرشحين للرئاسة، أحدهما أصلى والآخر احتياطى رغم أن الأمر لم يكن مطروحًا فى الأجندة العلنية لهم بل وعبروا فى البداية عن أنهم لا يتطلعون إلى منصب الرئيس خصوصًا وأن خبرتهم فى الحكم محدودة بل معدومة.

ثالثًا: ليتذكر الجميع أن الأيام الأولى لحشود الثورة اتسمت بقدر كبير من الوطنية الجياشة والتصرفات المحسوبة حتى تحدث زعماء العالم فى كل مكان عن عظمة الشعب المصرى وروعة ثورته، ولكن الأمور تغيرت بعد أن جرى الانقضاض على الأحداث وتحويل المسار لخدمة عناصر دخيلة وجماعة غير شرعية خرج قادتها من السجون التى تآمروا على فتحها مع عناصر قدمت من الشرق عبر سيناء ليكتمل سيناريو الخديعة وسرقة جهاد الشعب المصرى من أجل مستقبل أجياله القادمة.

إن دروس 25 يناير 2011 لم تكتمل سطورها بعد ولم يدرك الجميع أنها كانت فصلًا كبيرًا فى كتاب النضال المصرى عبر العصور، إنها تحتاج إلى مزيد من الدراسة وتحليل المعلومات حتى نضعها فى مكانها الصحيح الذى يليق بمشاعر الجماهير التى خرجت لها وشاركت فيها.


لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى الفقى

رابط دائم: