أبصم بالعشرة أن أمريكا «صح»، وما حدث فيها مؤخرا هو «صح الصح»، وكل ما جرى ويجرى على أرضها منذ وصول ترامب للبيت الأبيض وحتى يومنا هذا، يجعلها عمليا أكبر وأنجح وأعظم دولة فى العالم، ويؤكد أن نظامها السياسى هو الأقوى، والأساس، والنبراس!
من مشهد «الكابيتول»، وما جرى بعده، نخرج بعشرات الدروس المستفادة لأى دولة تقاتل من أجل بقائها واستقرارها ونهضتها، ومن ذلك ما يلي:
أولا: لا يوجد شيء اسمه ديمقراطية «والسلام»، أو ديمقراطية بناء على طلب الجماهير، أو كما تريد النخب، فالديمقراطية التى تأتى بالأسوأ وتهدد كيان الدولة، ليست ديمقراطية، ولا لزوم لها، وإنما مشهد مضحك، كمن يرتدى «جرافتة» فوق «جلابية»، والانقلاب عليها هو قمة الديمقراطية!
ثانيا: من حق أى دولة أن تتخذ كل ما لديها من وسائل للحفاظ على سيادتها واستقلالها واستقرارها وأمنها وشعبها وقيمها الأساسية وعلاقاتها بالعالم، ومن يخالف ذلك، يفقد شرعيته، ويصبح خطرا على مستقبل الدولة، وليس من حقه أن يحدثنا عن انتخابات ومؤيدين وصناديق!
ثالثا: الدول تديرها مؤسسات، ونظام «عميق» يحرك كل شيء فى الخفاء أو العلن، ويحدد كل شيء، ويرسم الخطوط والتفاصيل التى يعمل فى ضوئها الأفراد، ولا مجال للصدف أو المغامرات أو الأمزجة، وأى مسئول يفكر فى تقويض هيبة ودور ونفوذ هذه المؤسسات، أو تنحيتها جانبا، يصبح بالضرورة خصما للدولة، وخطرا عليها.
رابعا: القوات المسلحة ركن أساسى من أركان أى دولة، بل هى الركن الأقوى، والحائط الأخير الذى تستند عليه الأمة بأكملها، وهيبتها لا تقبل المساس، ووظيفتها ليست الحروب فقط، ومكانها ليس «الثكنات»، فدورها فى حماية البلاد يبدأ من الداخل، ولا غنى عنها فى حالات السلم والحرب والطوارئ الصحية أو الاقتصادية أو المجتمعية، ومن يفتى بغير ذلك، فهو يريد «جمهورية موز»، وعليه أن يبحث له عن دولة فى كوكب آخر بلا جيش!
خامسا: للشرطة كل الصلاحيات المطلقة لحفظ الأمن، وبتر جميع مظاهر الفوضى، باستخدام الوسائل المتاحة، بما فى ذلك الردع الذى يتناسب مع حجم الخطر والتهديد، بل ويفوقه، وأى امتعاض خارج إطار القانون من مستوى ردع الجهاز الأمني، أو أى محاولة لـ «قصقصة ريشه» ومطاردته وابتزازه بالشائعات والتسريبات وقصص المناضلين الوهميين، تهديد مباشر لأمن المواطن قبل الدولة.
سادسا: أحكام القضاء قاطعة ونهائية وغير قابلة للتأويل و«التفعيص»، وأى مواطن يستعدى القضاء أو يتعامل مع أحكامه على أنها «مقال» فى جريدة، أو يعترض عليه خارج إطار القانون، استحق المساءلة والعقاب، ولو كان مسئولا، لوجب أن يدفع منصبه ثمنا لذلك.
سابعا: حق التظاهر ليس مطلقا، بل وعدمه أفضل، والمتظاهر «إرهابي» أو «بلطجي» مادام انتهك القانون، أو تظاهر دون ترخيص، وهدد الأمن، وقطع الطرق، واقتحم المنشآت، حتى وإن لم يكن يحمل سلاحا أو حجارة أو زجاجة حارقة.
ثامنا: الإعلام فى ظهر الوطن، ووقوفه بجانب الدولة واستقرارها ودستورها ليس محل نقاش، ولا يعد تطبيلا ولا نفاقا، وحرية الإعلام ليست «مطية» لدعوات العنف والتحريض ومخالفة القوانين ونشر الكذب والتدليس، ومهنيته فى خدمة الصالح العام.
تاسعا: «السوشيال ميديا» ليست كالماء والهواء، ولا خدمات مجانية تقدمها جمعيات خيرية، وإنما هى صناعة تديرها شركات تابعة للدولة التى تنتمى إليها، وتدافع عنها، وتعمل وفق قوانينها، ومن حقها فرض الرقابة والقيود وتكميم الأفواه الداعية للتحريض والفوضى وقلة الأدب وقت الضرورة.
هذه هى أمريكا، وهذه هى الديمقراطية، بشحمها ولحمها، وبأنيابها أيضا!
فى أولا وثانيا، ترامب «المنتخب» أطيح به، ولم يشفع له أن 70 مليونا انتخبوه!
فى ثالثا، الدولة العميقة «هيبة»، و«نجدة»، وليست عيبا أو «صنما»، كما صوروها لنا!
وفى رابعا، كان الجيش هو «منقذ» أمريكا فى أزمتى الكابيتول وكورونا.
أما خامسا، فلم يفتح أحد فى أمريكا فمه مطالبا بحقوق قتلى وجرحى احتجاجات الكابيتول من الشرطة، لا فى الإعلام ولا على الجدران، رغم أن أيا منهم لم يكن مسلحا حتى بـ«مصاصة»!
وسادسا، انتهت شرعية ترامب رسميا بقرار المحكمة العليا الذى حسم تماما حديث «التزوير».
وسابعا، المتظاهرون «بلطجية» و«إرهابيون» من قبل أن تبدأ الاحتجاجات!
أما ثامنا وتاسعا، فقد كان الإعلام الأمريكى صوتا واحدا، ولا يزال، حتى فى استخدامه سلاح التسريبات، أما السوشيال ميديا، فتصرفت على أنها جزء من الدولة، وليست كيانات ليبرالية و«مهلبية» وماء وهواء وملاذ للنشطاء والمقهورين!
برافو أمريكا!
«حلوة أمريكا»!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: