كان يزاول مهام عمله بكل جدية وانضباط، حتى شعر ببعض الإجهاد، فآثر السلامة، من خلال أخذ راحة قصيرة، خاصة بعدما شعر بارتفاع فى درجة حرارته، وبعد راحة لمدة يوم، شعر بتحسن كبير، وبدأ فى استرداد عافيته، وتحسنت حالته المزاجية، بعد أن سيطر الخوف عليه من احتمالية إصابته بـ«الكورونا»، ولكن بعد شعوره بالنشاط، ألح عليه هاتف ضرورة عمل مسحة للتأكد من خلوه من كورونا اللعينة، وحتى موعد ظهور نتيجة المسحة، ظل الشعور بالتحسن سائدا.
حتى أتت الصدمة عند ظهور نتيجة المسحة، التى أكدت إصابته بـ»كورونا«، ليبدأ فى تلقى بروتوكول العلاج مع الالتزام بالعزل المنزلي، حيث رأى أن حالته لا تحتاج لدخول أحد مستشفيات العزل. ومع عمل الأشعات اللازمة للكشف على الصدر كإجراء احترازي، جاءت الصدمة الثانية، بوجود جلطات فى الرئة، تحتاج لتدخل طبى سريع لإذابتها على الفور، حتى لا تؤدى لعواقب صحية غير محتملة.
أتحدث عن صديق عزيز، سمحت الظروف أن أُتابع حالته عن قرب، وخلصت إلى أن كورونا تطور أثرها دون وضوح تأثيرها، بمعني، لم تكن أعراضها واضحة أو مزعجة، وكان من الممكن أن يظل يعانى ويلاتها دون أن يعرف، فلم يشتك من أعراضها، أما الأكثر إزعاجا فهو إصابته بجلطات فى رئته دون أن يشعر، ولولا التوجه لعمل الأشعة على الصدر بشكل وقائي، لتأخر فى اكتشافها، وبالتالى تأخر علاجها، وما يعنيه ذلك من تدهور لحالته الصحية، شفاه الله وعافاه.
مع وصول الموجة الثانية لـ»كورونا«، منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، ومع تزايد أعداد الإصابات، بدأ الناس يطالبون بتفعيل الدراسة عن بعد، حفاظا على أرواح أبنائهم، وكان رد مسئولى التعليم، بأنه لا ضرورة لذلك، فالأوضاع تحت السيطرة، حتى تمت الاستجابة.
أيضا كان هناك تراخ فى تنفيذ الإجراءات الاحترازية التى أقرتها الحكومة، مما دعا عددا غير قليل من المنفلتين لعدم الالتزام بها، حتى عاودت الحكومة تأكيد الالتزام بها، مع التطبيق الفورى لتحصيل الغرامات على المخالفين، مما كان له أثر طيب فى التزام الناس.
ثم أخيرا، طالب مجلس الوزراء بتقليص العمالة بنسبة 50%، بحيث لا تزيد قوة العمل على تلك النسبة أيام العمل، وللحقيقة التزم عدد كبير من الجهات، وفى المقابل جهات أخرى لم تلتزم استنادا لمبررات واهية، منها حاجة العمل، أما صحة العامل فتأتى فى مرحلة تالية أقل أهمية!
كنت فى زيارة لمقابر الأسرة يوم الجمعة الماضي، وشاهدت وفود أعداد كبيرة من الجنازات، فسألت الحارس هل هى حالة عارضة؟ فأجاب بأن الأعداد متزايدة عن المعدل المعتاد بشكل كبير منذ بضعة أسابيع، إضافة، دلالة هذا المشهد لما نعايشه من حالات وفاة لمعارف بسبب الإصابة بفيروس كورونا، كفيلة بتبيان سوء الوضع الحالى لانتشار فيروس كورونا.
أما معاناة الناس التى تظهر عليها بعض أعراض الإنفلونزا، وتعتبرها أعراضا لـ«الكورونا»، تهرول لعمل الكشف اللازم إشارة جيدة لقياس آثار انتشار«كورونا»، خاصة أننا بتنا نعى جميعا، أن منظومة الصحة فى مصر لم تكن مؤهلة للتعامل مع تلك الجائحة مثلها مثل منظومات أخرى فى دول أكثر تقدما.
لكن الفارق الكبير بيننا وبينهم، انهم لم يتاجروا بـ»كورونا«، مثلما فعل بعض المستشفيات الخاصة، والتى استغلت هذا الوضع أسوأ استغلال، مما كان له آثار سلبية على عدد كبير من الناس، وفى تلك النقطة هناك مئات من القصص المؤلمة والمبكية التى يمكن أن تسمعها، تُجسد حالة الانفلات الأخلاقى لعدد من المستشفيات الخاصة، التى ضربت بكل أعراف مهنة الطب عرض الحائط، فى محاولات مستمية للتربح بشكل فج، باعتبار أنها فنادق 5 نجوم، وليست مستشفيات للعلاج. لنخلص من ذلك بأن كورونا تغير تأثيرها، بيد أنه لا يشترط ظهور أعراضها كما يعلم الناس، فقد تكون حاملا للفيروس ولا تعرف، وتكون أيضا ناقلا للعدوى ولا تعرف! ومن ثم، لابد من الحسم الفورى فى تطبيق الإجراءات الاحترازية، مع مراقبة مستمرة للأوضاع، بحيث يتم تنفيذ توجيهات مجلس الوزراء بكل دقة، حفاظا على أرواح الناس، مع إعلان بعض الخطوات التى من شأنها تفعيل ضوابط التباعد الاجتماعى بين الناس.
فكما أعلنت الحكومة مد مهلة تركيب الملصق الإلكترونى للسيارات لآخر مارس المقبل، كإجراء مهم لتخفيف التزاحم، أقترح مد مهلة انتهاء ترخيص السيارة أو ترخيص القيادة شهرا أو اثنين دون تحصيل غرامات، لتقليل اعداد الموجودين بوحدات المرور.
وكذلك الحال لمن انتهت بطاقة الرقم القومى الخاصة به، مع توضيح وجود بدائل أخرى للناس تستطيع من خلالها الحصول على عدد كبير من الخدمات الحكومية من خلال مواقع الحكومة الإلكترونية، مما يقلل أيضا من وجود الناس وتفعيل ضوابط التباعد الاجتماعي، فما دون ذلك، سيكون سببا فى عدم تقليل فرص الإصابة بفيروس كورونا القاتل.
تصدير صورة ذهنية للمواطنين بالسيطرة على فيروس كورونا وتقليل أعداد المصابين، من شأنه تراخى عدد كبير منهم فى تطبيق الإجراءات الاحترازية، بما يؤدى إلى انتشار العدوى بشكل غير متوقع، مما يحول الوضع لكارثة لا قدرة لنا عليها.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: