تُعقد غدا القمة الخليجية الحادية والأربعون فى العاصمة السعودية الرياض. كان من المقرر أن تُعقد القمة فى المنامة قبل شهرين ورئى تأجيلها الى حين. بيد أن جهود المملكة السعودية بشأن العلاقة مع قطر، والتى هى امتداد بشكل أو بآخر للجهود التى قامت بها الكويت فى السنوات الثلاث الماضية وما زالت تعمل عليها، أدت إلى تغيير وجهة القمة جغرافيا وسياسيا. مستوى الحضور فى هذه القمة سيحدد نتائجها الفعلية، وماذا يمكن أن تقدم القمة بحق لاستعادة التواصل الطبيعى بين جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجى، واستطرادا ما الذى يمكن أن تقدمه لوضع الأمور فى نصابها بشأن ما يعرف إعلاميا بالمصالحة مع الدوحة، أو بالأحرى إعادتها الى جادة الصواب، وهل ستكون مصالحة ثنائية جزئية، أم رباعية شاملة، وهل ستحمل بالفعل تغييرات فى السلوك القطرى بشأن التوقف عن دعم الإرهاب وجماعاته، وإنهاء التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمبادئ علاقات حسن الجوار وأولويات التضامن العربى ومبادئ ميثاق الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة، أم أن النتائج لن تحقق سوى قدر من التهدئة وحالة من الجمود السياسى لفترة تطول أو تقصر، ثم تعود بعدها الأمور إلى سابق عهدها؟.
التباين فى توقعات ما بعد القمة الخليجية له أسبابه، أبرزها حالة الصمت حول ما الذى تم التوصل إليه بالفعل فى الحوارات السابقة المباشرة أو غير المباشرة، واستمرار النهج الإعلامى الدعائى القطرى السلبى على حاله تجاه الأطراف العربية المستهدفة بالمصالحة، لاسيما مصر والإمارات والبحرين، وعدم توافر عوامل موضوعية تنبئ باحتمال تخفف قطر من محمولات الإخوان السياسية عربيا ودوليا وبما يتناسب مع شروط مصالحة شاملة ذات أسس وديمومة، وإجمالا لم تتضح بعد أي ضمانات بحدوث تغير حقيقى وجاد. فى المقابل الحديث عن مصالحة وفق أى مستوى، له أيضا مبرراته ودوافعه، وفى أقل التقديرات فقد ينتهى الأمر إلى مجرد تهدئة إعلامية وسياسية ولو بمستويات منخفضة، بحيث تكون نقطة بداية لبدء حوار حقيقى بين الأطراف المعنية لإنهاء التشابك بين مصالحة كاملة أو نصف مصالحة. هنا تكون التهدئة الإعلامية مجرد إشارة لا أكثر ولا أقل، ويظل المطلوب نهج قطرى جديد يصب فى جوهر التضامن الخليجى والعربى وليس مجرد هوامشه. وفى كل الأحوال فإن السعى نحو مصالحة خليجية، إن حدثت فإنه يعيد التركيز الخليجى على قضية مستقبلية، وهى كيفية التعامل مع إدارة الرئيس المنتخب بايدن، والتى لديها تصورات مختلفة عن كل ما سعى إليه وحققه الرئيس المهزوم ترامب. والأهم من ذلك التحسب الجماعى لما قد يحدث فى غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض فى العشرين من يناير الحالى، والذى تتعلق احتمالاته بعملية عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد إيران، أيا كان مستواها فستؤدى إلى تصعيد عسكرى قد يشمل دولا أخرى حتى ولو لم تكن جزءا من التخطيط العسكرى الأمريكى، فضلا عن خسائر اقتصادية خليجية وعالمية يصعب تقديرها، ولكنها مرجحة بقوة. والنتائج ذاتها قابلة للحدوث فى حال أقدمت إيران على عملية انتقامية لمقتل قاسم سليمانى، سيرد عليها الأمريكيون قطعا، لاسيما إن تجاوزت حدود المسموح به أمريكيا. الوضع على النحو السابق يكشف التداخل العميق بين أمن الخليج ودوله العربية تحديدا، وبين حالة الانكشاف التى تتعرض لها بعض تلك الدول، وحالة الصراع الإيرانى الأمريكي/ الإسرائيلى. ويكشف أيضا عن أن تنصل أحد الأطراف، كما هو حال قطر، من موجبات التضامن الجماعى من شأنه أن يُحمّل الجميع أثمانا عالية لا قبل له بها. وبالتالى يصبح البحث عن تضامن حقيقى فرض عين وليس فرض كفاية، وعلى كل الأطراف أن تتحمل مسئوليتها فى الوقوف بكل قوة لمناهضة سلوك أى طرف يعمل على حَرف الأولويات وفتح المجال لتدخلات خارجية تسعى للهيمنة والابتزاز السياسى حتى للطرف العاق نفسه الذى يتصور أن حماية أنقرة أو غيرها هى العاصم لأمنه وحياته. معالجة الانقسامات الخليجية شرط جديتها وشمولها وديمومتها سيكون لها حال حدوثها مردود إيجابي على الحالة العربية ككل. الوصول إلى حالة عربية تضامنية ما زال يشكل الباب الوحيد لاستعادة النظام العربى لتماسكه المفقود. الوصول إلى تلك المرحلة وفقا للأوضاع الراهنة ليس أمرا هينا، ولكنه ليس مستحيلا. البداية تكمن أساسا فى الحوار البناء وليس العبثى، الحوار الساعى لاستعادة اللحمة والتقارب وليس الدافع إلى الشقاق والتناحر. لا خلاف على أهمية البدء فى حوار عربى جماعى خلاق يتسم بالانفتاح والبحث عن المشتركات وهى كثيرة، ولاسيما بين الأطراف العربية التى اختلفت مساراتها تجاه العديد من القضايا والأولويات العربية التى ظلت لفترة طويلة تلعب دورا رئيسيا فى استمرار الحد الأدنى من التضامن العربى؛ كالقضية الفلسطينية بأبعادها القومية والوطنية التى لا تنازل عنها، والحفاظ على الوحدة الإقليمية لكل الدول العربية دون استثناء. هذه المشتركات العروبية التى سادت لفترة طويلة رغم قسوة الضغوط الخارجية حالت دون حدوث فراغ عربى، حدث بعد 2011، واستغلته قوى غربية لتضع المزيد من العقبات والمشكلات بين العرب وبعضهم البعض، وايضا لتحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة على حساب العرب وبعض دولهم سواء فى الخليج أو المشرق العربى أو المغرب العربى الكبير. وبالرغم من التباين السياسى والاجتهادات العربية ذات المسارات المختلفة، فمازالت هناك فرصة للعودة الى الجامعة العربية لبدء هذا الحوار العربى الخلاق، شريطة أن تخلص النوايا ويضع الجميع المصالح الجماعية فوق كل اعتبار آخر. عقد قمة عربية عن طريق التواصل الافتراضى كما حدث فى عدد كبير من القمم الأوروبية والناتو ومجموعة العشرين والاتحاد الافريقى، بعد الإعداد لها جيدا فى غضون شهر أو شهرين على الأكثر، يظل هدفا مشروعا لكل مخلص لعروبته ولكل مؤمن بأن قوة الغرباء ليست فى قوتهم الذاتية، بل فى الانقسامات العربية طولا وعرضا، فإن اختفت تلك الانقسامات عادت الهيبة العربية، وانزوى الغرباء إلى جحورهم غير مأسوف عليهم.
لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب رابط دائم: