رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لماذا تصاعدت التهديدات السيبرانية فى منطقة الشرق الأوسط؟

شهد عام 2020 تحولات ومتغيرات جديدة فيما يتعلق بحالة الأمن السيبرانى فى منطقة الشرق الأوسط، جاءت مدفوعة تارة بالتصاعد الملحوظ فى التهديدات السيبرانية، وتارة أخرى بما فرضته جائحة «كوفيد- 19» من بيئة جديدة غذَّت التهديدات الموجودة وسرَّعت من وتيرتها مع زيادة الاستخدام والاتصال عبر الإنترنت، وانعكاس ذلك على أمن تقديم الخدمات فى مجال التعليم والعمل والصحة وجميع الخدمات الحكومية.

وقد بدأت بعض دول المنطقة تتجه نحو التحول الرقمى، وذلك بغية العمل على تنويع مصادر الاقتصاد الوطنى، وتعزيز النمو الاقتصادى، واختلفت درجات التقدم فى مجال الرقمنة والتحول الرقمى وفق طبيعة المناطق الفرعية، فكانت أكثر تقدماً فى منطقة الخليج وفقاً لطبيعة الثروة هناك، فى حين كانت هناك مناطق أخرى متوسطة التقدم نحو التحول الرقمى، وما زالت هناك مناطق أخرى تعانى من مشكلات بناء الدولة وعدم الاستقرار المؤثرين على تبنى إستراتيجيات التحول الرقمى.

اعتبارات عديدة

لذا، تعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق فى العالم التى تتعرض للتهديدات السيبرانية، سواء على مستوى البعد المادى المتعلق بالتخريب والقرصنة أو على مستوى البعد المرتبط بتطبيقات الحرب النفسية، وتستحوذ منطقة الخليج على النسبة الأكبر من التهديدات السيبرانية مقارنة بغيرها من المناطق، ويتركز 50% من هذه الهجمات فى قطاع الطاقة فقط.

ويمكن تفسير ذلك فى ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة: الأول، يتمثل فى طبيعة النمو فى البيئة الرقمية والتوسع فى البنية التحتية والتوجه نحو الاقتصاد الرقمى، على نحو ينعكس فى مؤشرات عديدة منها ارتفاع عدد مستخدمى الإنترنت فى منطقة الشرق الأوسط إلى 41% من سكانها عام 2020، وزيادة إجمالى الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات فى العام نفسه بنسبة 2.4% عن عام 2019، حيث وصل إلى 160 مليار دولار.

وينصرف الاعتبار الثانى إلى تصاعد حدة التوتر بين العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، حيث أصبح المجال السيبرانى ساحة لنقل الصراع والتنافس بين هذه القوى. ومن دون شك، فإن تأثير الهجمات السيبرانية يتزايد بالنسبة لتلك القوى فى ضوء التطور المستمر الذى تشهده، سواء على مستوى حجم الضرر المتوقع منها أو على مستوى آليات شنها، لاسيما فى ظل زيادة الاعتماد على المجال السيبرانى فى تقديم الخدمات الحيوية.

وكان لافتاً أن بعض دول مجلس التعاون الخليجى بدأت فى توجيه اتهامات لإيران بالمسئولية عن شن هجمات سيبرانية على بعض منشآتها، كما باتت تلك الهجمات إحدى أدوات إدارة التصعيد بين الأخيرة وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فى ظل اتساع نطاق الخلافات فيما بينها حول الملفات الإقليمية.

ويتعلق الثالث، باتجاه الفاعلين من غير الدول، لاسيما التنظيمات الإرهابية، إلى الاعتماد على المجال السيبرانى فى شن هجمات ضد مصالح بعض الدول، وقد تزايد تأثير هذا المجال بعد الهزائم العسكرية التى تعرضت لها، على نحو دفعها إلى محاولة شن هذه الهجمات، خاصة فى ضوء نجاحها خلال الأعوام الماضية فى استقطاب عناصر تمتلك خبرة فى هذا المجال. وبالطبع، فإن ما يزيد من خطورة ذلك هو التحالف الضمنى الذى أسسته تلك التنظيمات مع العصابات الإجرامية التى تبحث عن مصادر تمويل فقط وتمتلك مهارات فى مجال القرصنة الإلكترونية.

وقد ساهمت زيادة وتيرة الهجمات السيبرانية فى الشرق الأوسط فى تحولها إلى إحدى الأسواق الجاذبة فى مجال الأمن السيبرانى من قبل الاستثمار الأجنبى والشركات الكبرى، لدرجة أن اتجاهات عديدة لا تستبعد أن يكون جزءاً من هذه الهجمات التى تتعرض لها بعض دول المنطقة مرتبطاً بالتنافس بين الشركات التقنية الكبرى المتخصصة فى هذا المجال.

دور «كوفيد-19»

لا يمكن فصل تصاعد الهجمات السيبرانية فى الإقليم عن اتساع نطاق أزمة انتشار فيروس «كوفيد- 19»، فقد مثّلت التداعيات التى فرضتها الجائحة اختباراً قوياً لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما أنها زادت من مستوى الطلب على الخدمات التكنولوجية المتاحة.

وبقدر ما كان ذلك تجاوباً مع الاتجاه العالمى نحو تسريع التحول إلى الرقمنة، بقدر ما زاد من احتمالات التعرض للتهديدات السيبرانية بأنماطها المختلفة، لاسيما فى ضوء استمرار إجراءات التباعد الاجتماعى، والاتجاه نحو استخدام تطبيقات التعلم أو العمل أو تلقى الخدمات عن بعد، وهو ما أتاح فرص نشر البرامج الضارة والتصيد وسرقة البيانات الشخصية وانتهاك الخصوصية، خاصة مع اضطرار فئات عديدة للتعامل الرقمى دون خبرة سابقة بإجراءات التأمين.

واستغل المهاجمون كذلك حالات عدم اليقين والشغف بالبحث عن علاجات أو أخبار عن فيروس «كوفيد- 19» فى نشر المعلومات الزائفة وتزييف أسماء النطاقات وانتحال شخصية المواقع الرسمية الحكومية. وتوازى ذلك مع محاولات التنظيمات الإرهابية توظيف الجائحة فى إعادة إنتاج خطابها المتطرف والتحريض ضد الدول والسعى لاختراق الكتلة الحرجة من الشباب وانتهاز فرص عزلهم عن محيطهم الاجتماعى. وحسب بعض التقديرات، تعرضت 56% من الشركات فى المنطقة لخسائر تقدر قيمتها بأكثر من 500 ألف دولار بسبب الهجمات السيبرانية خلال عام 2020.

مواجهة مشتركة

دفعت هذه المخاطر السيبرانية إلى زيادة حجم سوق الأمن السيبرانى فى الإقليم، والذى يتوقع أن ينمو من 16.1 مليار دولار فى عام 2020 إلى 28.7 مليار دولار بحلول عام 2025، ومن المتوقع أن ترتفع قيمة سوق الأمن السيبرانى فى دول مجلس التعاون الخليجى، على سبيل المثال، من 7.2 مليار دولار فى عام 2016، إلى 11.4 مليار دولار فى عام 2024.

لكن زيادة الطلب على الأمن السيبرانى قد لا يكون كافياً لاحتواء تلك التهديدات؛ إذ بات واضحاً أن على دول المنطقة تعزيز الجهود المشتركة فى تبادل الخبرات وبناء القدرات فى هذا المجال، وتطوير الإستراتيجيات الوطنية فى مجال الأمن السيبرانى والمرونة الرقمية وبناء صناعات وطنية فى هذا القطاع، سواء فيما يتعلق بالأجهزة أو ما يتصل بالبرمجيات، والعمل على تأمين خدمات الحكومة الإلكترونية وقطاعات البنية التحتية الحرجة.

ومن دون شك، فإن ما يضفى أهمية خاصة على مواجهة تلك التحديات هو طبيعة العلاقة الترابطية بين القدرة على تحقيق مستوى أعلى من الأمن السيبرانى من جهة وتعزيز القدرات فى مجال الاقتصاد الرقمى من جهة أخرى.


لمزيد من مقالات د. عادل عبدالصادق

رابط دائم: