لم تحقق المفاوضات الليبية، التى انطلقت منذ أشهر، النتائج المرجوة، فرغم توقيع اتفاق وقف النار وانعقاد اللجنة العسكرية (5+5)، لم تنفذ الترتيبات التى تعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، كما لا توجد إشارات على إعادة هيكلة أو توحيد الجيش الليبي. ويبقى هناك خلاف كبير بين الشرق والغرب بشأن تسمية المجلس الرئاسى المرتقب، ورئيس الوزراء، وأعضاء الحكومة الانتقالية التى ستشرف على الانتخابات المقرر عقدها فى ديسمبر 2021. لكن شهد الملف الليبي، خلال الأسبوع الماضي، تطورات عديدة يمكن قراءتها من زاويتين: إما انها ستنسف كل الجهود السابقة لوقف إطلاق النار، او انها ستشكل بارقة امل لإنهاء الازمة بعد الزيارة النادرة للوفد المصرى لطرابلس والحديث عن توافقات بين تركيا ومصر حول الصراع فى ليبيا. وبين التوافق حول حل نهائى للازمة او العودة بها الى مربع الصفر يبقى هناك خط رفيع يمكن ان يضع ليبيا والمنطقة تحت كل الاحتمالات.
يومان فقط بعد دعوة خليفة حفتر قواته لحمل السلاح مجددا لطرد المحتل التركي, معتبرا انه لا خيار إلا رفع راية التحرير من جديد وتصويب السلاح نحو تركيا ما دامت ترفض منطق السلام واختارت لغة الحرب.. وصل وزير الدفاع التركى إلى العاصمة الليبية طرابلس برفقة رئيس الأركان، وكبار قادة الجيش. ومن خلال هذه الزيارة السريعة وغير المرتبة، تريد انقرة، من ناحية، توجيه رسالة الى حفتر بانها تتابع كل التطورات العسكرية والسياسية عن قرب. ومن ناحية أخري، تريد ان تؤكد امام انظار العالم استمرار العلاقة مع حكومة الوفاق، وأنها لاتزال مستعدة لتقديم كل أشكال الدعم العسكرى لها، خاصة ان البرلمان التركى مرر قبل أيام مذكرة تمديد بقاء القوات التركية فى ليبيا لـ18 شهرا إضافيا. ومن ناحية ثالثة، ترغب انقرة فى تقييم جهود الأجهزة التركية فى إنهاء الخلافات والانقسامات بين الفصائل العسكرية والميليشيات المنضوية ضمن القوى الموالية لحكومة الوفاق، وتعبئة جميع القوى فى المنطقة لمواجهة هجوم محتمل قد يشنه خليفة حفتر.
من هذه المنطلقات، وبلغة لا تخلو من الاستفزاز، حذر وزير الدفاع التركي، الجيش الوطنى الليبى بأن قواته وداعميه سيكونون هدفا مشروعا فى جميع الأماكن، بعد كل محاولة اعتداء على القوات التركية. وهو ما يمكن اعتباره تعديا مباشرا على سيادة ليبيا وأمنها القومي، وخرقا واضحا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر توريد السلاح، وأيضا تهديدا لكل الجهود السابقة لتثبيت وقف إطلاق النار فى ليبيا. وكما هو معروف، مصالح تركيا تبقى دائما فى إبقاء الصراع الليبى مفتوحا على مصراعيه، او إيجاد حل تكون فيه أنقرة طرفا، وتحقق من خلاله مطامحها فى ليبيا. وحتى تحقيق ذلك، فهى لن تدخر جهدا فى عرقلة حل الازمة سياسيا وافشال المسار السياسى برمته متى ما اتيحت لها الفرصة لذلك.
التغير الثانى المحورى فى الملف الليبي، هو، على الرغم من أجواء التصعيد والتهديدات المتبادلة بين قوات حفتر وتركيا، قيام وفد مصرى الأحد الماضي، بزيارة إلى العاصمة طرابلس، للقاء مسئولين بحكومة الوفاق. هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 2014 يمكن قراءتها من عدة زوايا:
أولا، بحث مصر الدائم عن استقرار الأوضاع فى ليبيا واحتضانها مبدأ الحل السياسى القائم على عدم التدخل فى الشئون الداخلية. من اجل تحقيق ذلك، باتت القاهرة اكثر رغبة فى فتح قنوات اتصال مع طرابلس، فى ظل الحديث عن عودة فتح السفارة المصرية بليبيا. ويبدو ان القاهرة، التى طالما ايدت الحلين السلمى والسياسي، لا تريد مزيدا من الاقتتال فى ليبيا. فاستمرار الحرب يعنى سيطرة حكومة الوفاق على المزيد من الأراضي، بما فى ذلك سرت والهلال النفطي، وبالتالى الاقتراب من الحدود المصرية، مما قد يؤدى الى انهيار النظام الأمنى الوحيد الموجود فى شرق ليبيا، وما يعنيه ذلك من تهديد للأمن القومى المصري. أيضا، استمرار القتال يعنى محاولة الزج بمصر فى حرب خارج حدودها، خاصة انها سبق أن لوحت بذلك فى وقت سابق وحددت خطأ احمر لا يجب لأى من الأطراف المتحاربة فى ليبيا تجاوزه.
ثانيا، هناك تكهنات غير مؤكدة عن إمكانية حصول توافق بين أنقرة والقاهرة حول حل للأزمة الليبية او عن وجود اتصالات بين البلدين، «تطورت خلال الأشهر الأخيرة لبعض المستويات الدبلوماسية»، حسب تصريحات مسئولين اتراك، لتخفيف التوتر الإقليمى بينهما. وإذا ما صحت هذه التكهنات، فان التلويح بورقة التصعيد من قبل خليفة حفتر يبقى دون جدوى حقيقية، كما ان تلويح حفتر بورقة الحرب، بالنظر إلى الكم الهائل من القدرات العسكرية التى تمتلكها حكومة الوفاق الآن، بفضل عام كامل من الاستثمار النشط والإعداد والتدريب التركي، يبقى صعب عسكريا، لن يسقط فى فخه حفتر، لكنه سيستغل ورقة الحرب لفرض نفسه على طاولة المباحثات السياسية الأممية.
لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى رابط دائم: