رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النقطة العمياء

مصطلح قد لا يبدو دارجا، ولكنه من الأهمية المطلقة الحديث عنه لكل قائد، لاسيما قائدى السيارات، مهما تكن أحجامها، فعند تعليم القيادة، وترسيخ القواعد السليمة للمتعلم، مع تغليفها بمهارات القيادة المنضبطة، يأتى لفظ النقطة العمياء. وهى النقطة التى تكون معدومة الرؤية للقائد، فأهم مهارات القيادة، وهنا أتحدث عن قيادة السيارات، التحكم الكامل فى السيارة، ومن ثم، محاولة امتلاك أفضل سبيل للرؤية الشاملة، وجزء مهم للغاية من تلك الرؤية، ما يتعلق بالجزء الخاص بجوانب السيارة، فمع وجود مرايا جانبية بخلاف الوسطي، لتمكن القائد من وضوح الرؤية لاسيما حينما يقرر تغيير خط السير لاتجاه آخر، يلزم التأكد من عدم اصطدامه بسيارة أخري، حتى يتسنى له العبور الآمن.

هنا تبرز أهمية النقطة العمياء، فمع التقدم التكنولوجى الكبير، يطرح عديد من شركات السيارات تكنولوجيا فريدة تحاول أن تقضى على تلك النقاط العمياء، لتضمن قيادة آمنة ومستقرة. لفت نظرى ذلك المصطلح وأنا أشاهد صديقى يعلم نجله قيادة السيارة، وفى جزء من تدريبه، أوضح له مفهوم النقطة العمياء، وضرورة تفادى الوقوع فى براثنها، لما تسببه من كوارث غير محتملة.

فكم مرة عزيزى القارئ فوجئت بمن يغير مساره بشكل فجائي، وكان قاب قوسين من التصادم، معك أو مع غيرك، ولكنه ستر الله، الذى حفظ الناس. تخيل نفسك وأنت تقود أسرتك المكونة منك وزوجتك وأولادك، وتسير بهم فى طرائق الحياة، تخوض معاركها، وهم معك، ولأنك من تمسك بزمام الأمور، فأنت كقائد السيارة الممسك بعجلة القيادة، الوحيد صاحب قرار اتجاه السير فهل تدرك أن هناك نقطة عمياء، لا تراها، قد تكلف أحد أفراد أسرتك الكثير بشكل غير محتمل، دعنى أشرح لك، من لحظة إنجابك طفلك، وأنت تخطط له كل شيء، قد يكون مقبولاً منك ذلك، وهو صغير وغير مدرك، ولكن مع مرور الأيام وتواليها، يمسى الطفل فتي، إلى أن يصبح شابًا يافعًا، له أحلامه وطموحاته، وكذلك قدراته، فهل ستظل تقرر له، أم تتركه يقرر لنفسه؟

هل ستواصل ضغطك عليه ليواصل تفوقه، ليحصل على أعلى الدرجات، لتحقق حلمك كأب بدخوله كلية الطب، لتراه طبيبا، وهو يرى نفسه فى مهنة أخري، فيقاوم ضغطك عليه حتى ينهار، فيلبى طلبك، حتى يحقق حلمك على حساب حلمه، فيتخرج طبيبا، ولكنه لا يتميز، لأنه يمارس مهنة لا يرغبها؟!

هذا المثل صالح لأطرحه على نماذج كثيرة متشابهة، لأنك القائد الأب فأنت من تقرر وقت تغيير المسار، دون أن تعى جودة القرار، وفائدته وكذلك ضرره. أم ستحاول بكل جهدك توفير ما يتمناه، وتداوم على تلك الحال، لينضج مرفها، ما يفتأ أن يطلب شيئا إلا جاءه، فينمو واهناً، وأنت تظنه ناضجاً! ولنا فى أطفال أفسدتهم التربية عبر كثيرة، حتى أضحوا مجرمين بالتبعية. أما المثل المقبل، فهو من أسوأ النماذج، حينما تمتلك القدرة، لوضع أحد ما فى مهنة معينة، وهو لا يستحقها، فأنت بتلك الكيفية ارتكبت جرمين.

الأول، وضعت شخصا ضعيفا فى طريق لا يقوى على السير فيه، وقد يسبب كوارث للمحيطين به، والمتعاملين معه. الثاني، أخذت مكان أحد الأكفاء، وأضعت عليه فرصة العمل التى تستحقها، وحولته لشخص ناقم على الحياة بكل أشكالها، فتخيل أن يتم تعيين أحدهم محاسبا فى بنك، وهو لايملك تلك المهارة، فما أثر ذلك على البنك وعلى المتعاملين؟ فى حياتنا سيارات مختلفة بأحجام متباينة، فالسيارة الصغيرة بالتبعية نقطتها العمياء أصغر، ومقارنتها بسيارة كبيرة قد تبين حجم تلك النقطة العمياء، بالنسبة للسيارة الأكبر، فعلى سبيل المثال قائد السيارة ذات الحمولة الأكبر وزناً، هل تبين له مرآته الجانبية الجزء الذى يوازى باب سيارته، فكلما كبر حجم السيارة، كان من المهم أن يقودها الأكثر مهارة.

هكذا الحياة، الأسرة الصغيرة، يقودها الأب، وكلما كبرت الأسرة، وأضحت شركة، أو مؤسسة، أو وزارة، تنمو الحاجة لمهارة أكبر وأعلى فى القائد، ويتطلب الأمر وجود خبرات ومهارات تمكن من القيادة الماهرة للعبور لبر الأمان. فى الحقيقة، كشف فيروس كورونا الكثير من الأمور المستترة، لدى جموع الناس، والأمر ليس محصورا على بلدنا، ولكنه ممتد لكل دول العالم، وأمسى الناس يشاهدون كيف يتم التعامل مع تلك الأزمة، وكيف يمرون بها. لم يكن كورونا هو الفيروس القاتل الأول، فقد سبقه العديد من الفيروسات التى حصدت ملايين الأرواح، وبالمقارنة به، فهو أقل فتكًا، وأكثر رحمة، ولكن فى القرن الأخير الأكثر تقدما على مر عمر البشرية، كشف فيروس كورونا مهارات القيادة لكل الناس، وبات من الواضح لديهم بما لا يدع مجالاً للشك، من الأمهر ولماذا؟

ومن ثم ذلك ينطبق علينا فى مصر، فى الأُسر والمؤسسات والمصالح وكذلك فى الوزارات، يشاهد الناس الأداء، ويقيمون، فهناك من ينال رضاء الناس واستحسانهم مهارته وإتقانه، وهناك العكس، لذلك من الأهمية القصوى تأكيد أن من أهم مهارات القيادة التعامل الجيد مع النقاط العمياء، لأن المؤكد أن الأحوال بعد الكورونا مختلفة تماما عن قبله، فقد كشفت كثيرًا من المستور، وأيضا الكثير من النقاط العمياء.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم

رابط دائم: